تأملات في يوم 30 / 06

ملاحظة: كُتب هذا المقال في 14 / 06 / 2013

يسأل الجميع ماذا تتوقع أن يحدث في 30 / 06 القادم؟
هل ستنجح المعارضة في إزاحة الرئيس؟ أَم سيبقى الرئيس ولن يحدث شيئ؟

وفي محاول متواضعة للإجابة على هذا السؤال أقول:

حتى نعرف الإجابة نسأل ما هي القوة التي على أرض مصر؟

1- القوة الصيهيو صليبية متمثلة في هذا العصر في أمريكا وإسرائيل، وقوتها المالية والمخابراتية والأمنية.
2- قوة النظام السابق بكل رسوخها وقوتها المالية والإعلامية المسيطرة على عصب الحياة المصرية.
3- قوة الجيش والأجهزة الأمنية.
4- قوة شارع الإسلام السياسي - لا يصح تعبير الإسلام السياسي - وأحزابه المؤيدة للرئيس ونظامه.
إذا الشارع العام لا يُعتبر قوة في حد ذاته.. لأنه سلبي، معزول، شديد الفردية، خامل في أغلب الأحيان، همه مادي شخصي محدود في إطار كيانه! وأما ما حدث في ثورة 25 يناير وخروج الملايين بعد أن استقر أمر الثورة بعد يوم 28 يناير، إنما هو تراكم عشرات السنين من القهر والظلم، ولكن هذا لا يحدث في التاريخ إلا في فترات متابعدة تُقدر بجيلين أو أكثر.. لذا فإن الظن بأن قيام مثل ثورة 25 يناير مرة ثانية في فترة متقاربة أمر لا يعرفه التاريخ ولا السنن الاجتماعية.

تحليل القوة الموجودة  :

تحدد أمريكا أمن مصر القومي بين الخبز والانهيار.. بمعنى ألا تدع مصر تتجاوز مرحلة الخبز، وألا تتركها تنهار، وذلك لعدة أسباب أهمها: حماية (مصر – النظام) لحدود إسرائيل، المحافظة على المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة - الكتلة السكانية الضخمة المؤهلة للانفجار في أي لحظة - ميل الشارع لمظاهر التدين أكثر من العلمانية 
.
ولذلك فإن موافقة أمريكا على وجود تيار "الإسلام السياسي" شرطه هو القدرة على ضبط الشارع، وإزالة الاحتقان.. ووجود قوة إسلامية أشد من الإخوان قادرة على الإرباك ! وكانت أمريكا ومراكزها البحثية على يقين تام أن وجود أي أحد غير الإخوان في الحكم من شأنه أن يحقن الشارع، ويُلهبه.. فماذا يعني احتقان الشارع بالنسبة لأمريكا؟

نقول أولاً الخسائر التي لحقت الإسلام من جراء حكم الإخوان أو وجودهم في الحكم في هذه الفترة تحديداً   :

-  تحويل الحركة الإسلامية للسياسة العلمانية؛ فتحولت إلى خادم للتوجهات الأمريكية وصار دين الأخوة في أغلب تيارات الحركة الإسلامية هو دين الديمقراطية، والديمقراطية كنظام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي تعتبر في مفهوم الإسلام دين ونظام حياة .

 -  تركت الحركة الإسلامية الشارع، وضاعت عليها فرصة هامش الحرية الذي جاء بعد الانهيار الجزئي للنظام السابق وقبضته الأمنية، كانت فرصة ذهبية للالتصاق بالشارع ورفع مستوى وعيه العقائدي بالإسلام كشريعة ونظام حياة، ومشاركة الناس معاناتهم وحياتهم..! ولكن تحولت الحركة الإسلامية إلى خادم الديمقراطية.. في أكبر عار لحق بها منذ تاريخها، وسيكون أكبر عار في تاريخ كل الحركات الإسلامية.
-  ورث تيار الإسلام السياسي كل مشاكل وكوراث الأنظمة الفاسدة قبله، ومطلوب منه أن يتحمل وزرها، وساءت إدارته لكل الملفات؛ فلحق ذلك العار بالحركة الإسلامية نفسها! عار في الدين، وعار في الدنيا !وصارت الحركة الإسلامية المدافع عن النظام الوريث للنظام الفاسد، بل وخرج كل المتهمين في النظام السابق براءات في صورة مستفزة ومقززة ! لأن الجميع أقسم على احترام الدستور والقانون.. وبه تُرتكب كل الموبقات، وبه ضاعت كل الحقوق !

هذا بالنسبة لأمريكا غاية عظيمة ومطلوبة ولن تجد أحد يؤديها مثلما أداها الإخوان ! ولكن كيف ننظر إلى يوم 30 / 06.. ننظر إليه من خلال القوة الحقيقية.. وكما قلت القوة الحقيقية ليست في الناس ورغباتهم ولا في الشارع.. لإن الشارع ساقط الوعي الشرعي والسياسي.. وقوته الحقيقية تكون في حالة وحيدة.. هي مستوى الوعي والاجتماع عليه.

وأما عن الحركات النائشة التي تدعو إلى التمرد أو غيرها مما يزعج النظام، فهي تكون بمثابة عسكري على رقعة الشطرنج.. لا اتهم أي حركة بالعمالة والخيانة لأجهزة مخابرات.. ولكن أسوء من ذلك.. إنها الاستراتيجية الجديدة القديمة "الاختيار الذاتي" وهي أن يختار الشعب عدوه، ويقتل من يريد له الخير الحقيقي.. وحدث ذلك من قبل في أكثر من دولة من دول أمريكا اللاتينية إبان محاولة تحررها. وهذا عمل مخابراتي معقد للغاية.

وهي تستخدم مثل تلك الحركات، وكذلك الأحزاب لأن تفرض سياستها على النظام الحالي ولتستخدم كل أسلحتها في التفاوض، فمثلاً إذا أراد رئيس صادق التحرر والسيادة.. خرجت لهم أمريكا بسلاح الحركات المتمردة والأحزاب المعارضة لتفاوضه على استقرار بلده والقدرة على خلخلتها في ثواني.. هذه هي السياسة، وهذا ما يستحق الاعتبار حين النظر إلى الواقع، واعتبار التاريخ.

إن أمريكا تبحث عن أكثر الأنظمة التي تحقق استقرار الشارع.. الاستقرار الذي يحقق مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية والعولمية ومعها بالتأكيد أمن إسرائيل، وهي لا تغمار بأي من هذه المصالح.. ولكنها تلعب بمهارة على رقعة شطرنج، إنها تسمح للإخوان بالحكم ليتحقق استقرار مصالحها، وفي نفس الوقت.. تُجهز لها جيش آخر من داخل البلد لتلعب به في محاولة السيادة والاستقرار.
 
فتتحكم أمريكا في (نظام الحكم) وفي (قوة المعارضة).. وتضبط حركة الإثنين بما يحقق أقصى كفاءة في تحقيق مصالحها وهيمنتها.. ومن وراء أمريكا اليهود ورؤوس الأموال العالمية صاحبت السلطة الحقيقة والنفوذ الفعلي في النظام الديمقراطي العالمي !

أما محاولة الحركة الإسلامية إفهامنا أن الرئيس مرسي هو أمل الإسلام، وهو أفضل من غيره، وهو اختيار الصندوق، وهو ثمرة الثورة، وثمرة أكثر من مائة سنة من الكفاح.. فهذا هو العبث والتلاعب بدين الله وبالناس.

وأما محاولة الحركة الإسلامية تصدير دين الديمقراطية للناس - في أي صورة من الصور - فهو الخزي والعار والفضيحة التي لن ينساها التاريخ .

وعن التوقع بنتيجة ما يحدث يوم 30 / 06 فهو يقينناً ليس ما يُقره الشارع ولا قوة المظاهرات.. فسواء حدث صدام بين طرفي الشارع أم لم يحدث، وسواء سقط قتلى بالعشرات والمئات - لا قدر الله - فهذا لن يغيير أي شيء في المعادلة، إن مبارك نفسه ورغم زخم ثورة 25 يناير وقوة المفاجأة فيها لم تُحرك مبارك إلا بأمر من أمريكا، ثم استكمل المجلس العسكري بأمر من أمريكا..

ما أردته من هذا التحليل ليس هو معرفة ما سيحدث، بقدر ما هو تشريح للواقع.. أما الخسارة التي ليس بعدها خسارة هو دفاع الحركة الإسلامية عن دين الديمقراطية.. هذه هي الخسارة الحقيقية وليست نظام مرسي، ولا أي صدام في الشارع..

وأنبه القاريء الكريم على مسألة النظام الديمقراطي وخطورته.. إن تيار الإسلامي السياسي ممثلاً في الإخوان، والحركات الإسلامية الأخرى المؤدية للإخوان.. تخرج في كل وسائل الإعلام لتقول للناس هذه هي "الديمقراطية" هذا "اختيار الصندوق"..

ونسيت الحركة الإسلامية بقية قواعد اللعبة الديمقراطية، وهي صناعة "معارضة قوية" قادرة وبقوة على خلخلة النظام القائم، وهذا بالضبط ما تسعى أمريكا إليه.. لقد أقض مضجع أمريكا أن الشارع المصري شارع إسلامي بطبعه، وأن المظاهرات المليونية الحقيقية إنما خرجت باسم التيار الإسلامي رغم الإمكانات المادية والإعلامية الهائلة للتيار الغير إسلامي؛ ولذا اضطرت اضطراراً للموافقة على الإخوان فهم بالنسبة إليها أفضل الأسوء! ولن يخروجوا من الهيمنة الأمريكية.. !

ولكنها لم تترك الأمر كذلك فلعل الضمير يستيقظ فجأة، ولعل التيار الإسلامي يتحد نحو "الشريعة" ولكنها لا تترك شيء للمصادفة، فتستكمل قواعد اللعبة الديمقراطية بصناعة معارضة قوية تحت رعايتها وتوجيهها، حتى وإن كانت القواعد الشعبية لتلك المعارضة صادقة ووطنية ! لكن المحرك المادي لها والمؤثر هو دوماً على اتصال بأمريكا.. فأمريكا وحلفاءها يريدون معارضة قوية تضبط العزف العالمي وتستخدمها إذا جنح أحد أو راوده تخطي الخطوط الحمراء، أو تجاوز تأثيره الحد المطلوب.. وهذا ما يصنعونه الآن في مصر.. وبدأت إرهاصاته في تركيا !

إذاً نظام ديمقراطي يضبط الشارع، وينزع عنه رغبته في التحرر من الهيمنة العالمية.. مضبوط بمعارضة قوية مخاصمة أيدلوجياً للنظام.. وتكون قادرة على التأثير بقوة إذا أراد النظام الديمقراطي السيادة والتحرر والتأثير العالمي!

ولذا يبدو التناقض واضحاً.. إذ خرج رجال "الإسلام السياسي – الإخوان" والمؤيدين له ليتهموا المعارضة والمتمردون بالعمالة لأمريكا ! كلا.. لقد قال تيار الإسلام السياسي إنها "الديمقراطية" ولا تمر جملة في حديثهم دون ذكر "الديمقراطية".. ويضفون شرعية "إسلامية" على نظام الرئيس محمد مرسي، وهذا فوق أنه تناقض، يزيد من إلتباس أمر الدين والشريعة عند الناس حينما يساوون أو يخلطون بين الشرعية "الديمقراطية" المستمدة حقيقة من شرعية النظام الديمقراطي العالمي بقيادة أمريكا واليهود ومن الموافقة الصورية من الشعوب، وبين الشرعية "الإسلامية" المستمدة فقط من القيام بشرع الله، وموافقة الأمة الحقيقية على الحاكم.

وفي لعبة الديمقراطية يجب أن يكون فيها معارضة قوية.. وقد كانت المعارضة المصرية - الغير إسلامية - من قبل غير ذات تأثير، والآن يريدون لها أن تكون معارضة علمانية قوية فعالة مؤثرة قريبة من الشارع – إذ كانت من قبل نخبوية أرستوقراطية نفعية - وحين تلجأ المعارضة إلى أمريكا في أي صورة سواء إعلامية أو مادية أو مخابراتية.. فلا يلومنهم أحد، فالكل يتحرك في الفلك الأمريكي.!
وهنا نجد النظام السياسي الإسلامي مغاير لذلك تماماً.. إنه نظام قائم على القيام برسالة الله الأخيرة لكل العالمين، وهو نظام يأتي بمشورة الأمة وبموافقتها، وشرط حكمه هو القيام بشريعة الله نظاماً للحكم والحياة.. وهو واجب السمع والطاعة طالما ظل قائماً بشريعة الله.. وإن المعارضة فيه هو بيان الحق، والإعانة عليه.. وليس المعارضة هي تنافس على الحكم والعبث بأمن الأمة بعدما استقر أمرها.. إلى غيرها من التفصيلات!

وأخيراً على رجال الحركة الإسلامية بكل أطيافها بيان دين الله للناس ببيان شرع الله على أنه حق الله على العبيد، وأصل أصول التوحيد، وشرط النهضة الوحيد.. وبيان واقع الحياة وتحدياتها المحلية والإقليمية والعالمية.. وإذا اضطرتهم ظروف الواقع للخضوع إلى نظام غير النظام الإسلامي كالنظام الديمقراطي وأدواته.. لا مفر إلا أن يقولوا للناس أنهم في موضع (إكراه) وموضع (اضطرار) وقلبهم مطمئن بالإيمان بأن الإسلام هو الدين في نظامه السياسي والاجتماعي والاقتصادي..إلخ وكل مجالات الحياة. ونظراً لأنهم جزءاً من نظام عالمي مهيمن.. فإنهم مكرهين على ذلك غير باغين ولا عائدين، حتى يستقر لهم وضع أو تكون لهم كلمة أو يتجاوزوا مرحلة، وأنهم ينكرون أي نظام غير نظام الإسلام، الإنكار الذي ليس بعده مثقال ذرة من إيمان.. كما جاء في الحديث الشريف.

أما أن يخرجوا للناس يقولون لهم "الديمقراطية" كأنها طريق الخلاص، وكأنها علامة الرقي والتقدم، وكأنها هي الحضارة.. فهذا هو الخزي والعار الذي لن يُصلح ديناً ولا دنيا.
وفي النهاية نؤكد على على ضرورة حماية مصر من عبث المتربصين بها، وصد أي عدوان على مقدسات المسلمين وشعائرهم، { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }[الحج : 32] وصد أي محاولة للانتقاص من مظاهر الإسلام والتدين.. وصد أي طاعن في دين الله، ومعتدي على أرواح ودماء المسلمين، ورغم عدم شرعية الرئيس مرسي الإسلامية، لأن الشريعة الإسلامية إنما تنعقد على القيام بشرع الله وحده.. ورغم عدم شريعته الإسلامية فإن دعمه لتجنب البلاد الفوضى والعبث والانهيار ضرورة شرعية من هذا الجانب، وحتى تستقر الأمور.. هناك ضرورة شرعية أخرى واجبة على كل المسلمين تقتضي حملّه على التحاكم إلى كتاب الله وشرعه، على أساس أنه حق الله على العبيد، وأصل أصول التوحيد، وشرط الحرية والنهضة الوحيد.

كُتبت في 14 / 06 / 2013 م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تكفير المتوقف في التكفير

الجيا والدولة

الأسلوب القرآني، والأسلوب التبريري