في ذكرى الخديعة
في مثل هذا اليوم منذ ثلاث سنوات، قرر الرئيس - كنز إسرائيل الاستراتيجي - تفويض الحكم وإدارة البلاد إلى حراسه الأوفياء وحماته من قيادات المجلس العسكري !!
أخذتنا - جميعاً - السُكرة بهذا الإنجاز التاريخي، فقد خرج الشعب في انتفاضة - سُميت خطئاً ثورة - لمدة ثمانية عشر يوماً سقط فيها فقط ما يقرب من ألف قتيل، وآلاف المصابين؛ فتنحى بعدها الرئيس ! ويا له من نصر مبين! وهتف الشعب "الجيش والشعب إيد واحدة" "الجيش حمى الثورة" !!
وتوالت الصحف في اليوم التالي تقول: "الشعب أسقط النظام" وتوالت ردود الفعل العالمية بالتهنئة الحارة للشعب العظيم الذي أسقط النظام بثورته البيضاء! فازدادت السُكرة والنشوة حتى الغيبوبة الكاملة. ولقد كان يكفينا أن يستقيم ميزان العقيدة في قلوبنا لنستفيق من تلك الغيبوبة!
اتبع النظام العسكري العلماني استراتيجية قصيرة المدى لحماية النظام من السقوط، وتحويل ردة الفعل الشعبية ضده إلى نصر ساحق له، فما استفاده النظام العسكري من سقوط مبارك ما كان ليتحقق له لولا هذه الانتفاضة الشعبية، واستفاد الآتي:
(1) حماية النظام، بالتضحية برأس النظام. وحماية مصالح الأسرة العسكرية وامتيازاتها. وذلك لانتهاء صلاحية مبارك، وأصبح ثقل كبير على النظام العسكري.
(2) التخلص من الرجل القوي جمال مبارك ورجاله، الذي كان يطمح إلى الحكم وهو مدني.
(3) التخلص من رجال وزارة الداخلية الأقوياء، وكسر نفوذها، وضرب جهاز أمن الدولة الذي توغل في كل شيء، ولذا تم اقتحام مقراته ودبابات الجيش تقف أمامه، ثم جعل الجيش وزارة الداخلية، وباقي الأجهزة الأمنية تحت إمرته وإدارته.
ومن الدروس المستفادة في ذكرى الخديعة:
(1) اتبع العسكر منهجية علمية في احتواء الثورات: ففي في العام 1990م، استقبلت مكتبة أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية بحثًا قدّمه الباحث "أحمد عزّ الدين مصطفى" لنيل درجة الدكتوراه، وكان تحت عنوان "في مواجهة التمرّد المدني"، والذي قدّم فيه خمس مراحل للتعامل مع الثورات الشعبية: التأييد، التهدئة، التبريد، التجميد، ثم عودة النظام. وذلك مع مراعاة مقدار من التداخل الانتقالي بين كل مرحلة والتالية لها يسهّل إنجاز المراحل الخمس بسلاسة ونجاح.
(2) المكاسب الهشة لا قيمة لها: فقد أغرى العسكر الإخوان بصندوق الانتخابات، فانطلقوا إليه مستشهدين في سبيله ! فحصلوا على البرلمان والدستور والرئاسة، وما كان كل ذلك - في النهاية - إلا حبراً على ورق ! وفي سبيله سقطت منهم الكثير من التنازلات الأخلاقية والسياسية والشرعية، وتحدث الناس أن الإخوان تحالفوا مع العسكر، وباعوا الثورة!
(3) الحرية المزعومة لا قيمة لها: فقد أغرى العسكر القوى الليبرالية واليسارية بحرية التعبير والقنوات والهواء الفضائي، ولم حقاً سوى هواء فارغ، وخرجوا مهزومين من كل الاستحقاقات الانتخابية رغم إمكانياتهم الهائلة فتوغلت العداوة تجاه الإخوان، وهكذا أعطى العسكر الجميع ما يريده، وأغرى بينهم العداوة والبغضاء.. ثم بجرة قلم سحب كل ما أعطاه.. والآن الجميع تحت التهديد والاعتقال والتعذيب!
(4) التهافت على المصالح الحزبية: تهافت كل فريق على مصالحة الآنية، وظن أنه كسب في معركة قصيرة الأجل.. بينما طريق هذه الأمة طويل ويستلزم الكثير من التضحيات كما هي سنن الله في أرضه.
(5) التخلي عن المبادئ: هناك مبادئ تكون على المحك مع المصالح، وهنا يراقبك الناس.. ماذا ستفعل؟ أستكون مثل الفرسان تُعلي الخُلق والمبدأ والقيمة، وتنتصر للحق والمظلوم بعيداً عن مصلحتك الخاصة؟ أم ستكون مثل البقية تدور مع مصلحتك حيث درات.. فإذا كنت كذلك لفظك الناس وفضحوك، كما حدث!
(6) سقوط الأنظمة الطاغوتية: يستلزم الكثير من التخطيط والجهد والوحدة والعمل الشاق الطويل، وكلما ارتفع مستوى الوعي كلما قلّت فاتورة الدماء والتكاليف، وبالنظر لسوريا عندما استهدفت الثورة النظام حقاً قُتل ما يقرب من مائتي وخمسين ألف نفس غير ملايين المشردين والمصابين! وإن الثورة تعني: استهداف النظام من جذوره، والمجتمع، والإنسان.
(7) النظام الدولي: عدونا وهو يخدعنا، وهو يقر ويأمر بقتلنا، وليس أقبح وأوضح من موقفه في سوريا، وتأييدهم سراً حينا وعلناً حيناً لكلبهم الوفي بشار. وإن أي ثورة تستهدف تغيير النظم وسيادة الدولة لابد لها من تكاليف يجب على الأمة الاستعداد لها، وتقليلها إلى الحد الأدنى.
(8) غياب العقيدة: إن المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية يجب أن ينبع من عقيدة راسخة متكاملة الجوانب. وطالما أننا مسلمون، فيجب أن تكون المطالبة بالحقوق من خلال عقيدة ترد الأمر كله لله، ولما لم تكن كذلك.. جعل الله بأسنا بيننا كما جاء في الحديث الشريف: " وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " [رواه ابن ماجه/ 4017]
(9) إننا لن ننتصر في أي معركة من دون العقيدة، ولن ننتصر في أي معركة من دون أمة تحمل هذه العقيدة.. وتقاتل - في سبيل الله - تحت رايتها، وباسمها، وبمنهجها.. ابتغاء مرضاة الله.
(10) الديمقراطية والحريةالمزعومة فضلاً عن أنها مناقضة للمنهج الإسلامي.. فما هي إلا مكاسب هشة، ينزعها منك - في لحظة - من يملك السلاح والمال، ويجب أن نملك القوة الحقيقة والصلبة، ونمضي في طريقنا لنُعلي كلمة الله، ونُحكّم شرعه، ونقيم دينه.
11/02/2014
تعليقات
إرسال تعليق