التكفير السياسي !
انتشر قول يُنسب لأحد الإخوان المسلمين: "الجيش المصري بضابطه وجنوده وقياداته مش بتاعنا زيه زي السيسي بالضبط. الجيش المصري جيش صهيوني عميل مرتد نقاتله كالصهاينة تماماً لا فرق بينهم"
ولا أعرف صحة هذا القول من عدمه، إلا أنني أخشى من هذا "التحول النفسي" أن يقع، وربما شواهد كثيرة تشير إلى أنه سيقع، ونسأل الله السلامة لجميع المسلمين. وأقول بشكل عام:
(1) من أهم ما يميز المنهج الإسلامي التوازن، وأي تطرف يقع فهو قد أكل من هذا التوازن.
(2) الإرجاء كالتكفير.. حالة من الرفض والهروب، والفشل في اقتضاء الصراط المستقيم. الإرجاء: حالة من الإيمان السياسي.. حيث "السلطان" مسلم ومن أيده مسلم. والتكفير: حالة من الكفر السياسي.. حيث "السلطان" كافر، ومن أيده كافر !!
(3) إن إطلاق الحكم بالتكفير على شخص بعينه.. حكم "شرعي" مثل باقي الأحكام الشرعية التي تتطلب القاضي المسلم، والمحكمة المسلمة التي يستسلم فيها الجميع لشرع الله، وتكون فيها ضمانات العدالة والحقوق والدفاع، وتكون هناك الدولة التي تنفذ الحكم، فأحكام إسلام جادة ليس فيها هزل، ويترتب عليها أمور كالحكم بالردة والزواج والميراث.. إلخ.
(4) إن الحكم على طوائف بعينها بالردة - بالطبع أشد من الحكم على فرد بعينه - أمر لا يُقره آحاد الناس مهما بلغ من العلم، فهذه قضية دماء وأموال.. ولا يحكم فيها إلا علماء الأمة بعد استقراء كل الوقائع والأحداث، وبعد الحكم يتقرر ما هي السياسة الصحيحة في مواجهة هذه الطائفة.
(5) إن الإفراط في الإرجاء، والإفراط في التكفير حتماً سيؤدي إلى صدامات.. الإفراط في الإرجاء دفعت الحركة الإسلامية ضريبته كاملاً، والإفراط في التكفير سيدفع ضريبته المجتمع كله الذي حيد عن الصراع من الأساس.. عندما كان التنافس على الدنيا هو شعار المرحلة.
(6) إن العجز عن المواجهة الواقعية يُقع النفس في حالة من "الكفر" بالواقع.. وهذا ما ينطبق على الكلام أعلاه.. مسألة نفسية ورد فعل عاطفي لا شرعي.
(7) إن إفلاس الحركة الإسلامية المعاصرة في مواجهة هذه الهجمة الشرسة سيؤدي إلى مضاعفات جمة نسأل الله السلامة لجميع المسلمين.
(8) إن جماعة الإخوان المسلمين هي رأس الحربة لهذه المواجهة، وما تقتضيه السياسة الشرعية - فيما أحسب - ترك الأمر لها طالما هي تجسرت عناء المواجهة، وإن أصابت فمن الله، وإن أخطأت فقد حملت وزرها وعليها المسؤولية. ولا يجوز لها إلا النصح. وإلا أصبحت الفوضى الفكرية والحركية هي شعار المرحلة. فإن رفض أحد منهجها فليعتزلها وليتركها تفعل ما تراه دون إفشال لها.
(9) إن قرار المواجهة تملكه جماعة الإخوان لأنها هي "القيادة" ولن تنفع مواجهة من دون إقرار القيادة وتفعيل كل الطاقات، وإلا فهي الفوضى والمواجهة الداخلية وتضارب الجهود، فإن أعلنت "المقاومة الشعبية" و"الدفاع الشعبي" وفق أسس شرعية وعلمية وليست نهباً لتفريغ الغضب؛ فالشعوب لا تُقهر. فإن اختارت "السلمية" فهي وما اختارت، وإن لم يقتنع أحد بالسلمية فلينسحب، وينتظر، أو يساعد بما يستطيع.
(10) حالة الفوضى الفكرية والحركية التي نعيشها الآن والمصحوبة بالارتجالية.. هي الثمرة الخبيثة "للعصبية الجاهلية، والتحزب، والتطرف، وأمراض الاستبداد، والانفصال عن الأمة، والاستعلاء الثقافي عليها، والتنافس على الدنيا، والتخلي عن رسالة "الإحياء".
ولا يتمنى أحد على الله الأماني.. سنن الله لن تحابي أحداً، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تعليقات
إرسال تعليق