الرق في التصور الإسلامي
مُقدمة: كان الرق "الاسترقاق" واتخاذ السبايا، وبيعهم "نظاماً عالمياً" يبدو طبيعيا، ومألوفاً في حياة الناس وقتها - كمثل أن يكون لك الآن سائقاً خاصاً أو خادمة - ولما جاء الإسلام وجد هذا الرق، فنزلت الأحكام والتشريعات الخاصة به، لتنظمه - كما تنظم باقي مناشط الحياة الأخرى - ولقد تَسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وتَسرى أصحابه عليهم رضوان الله، ولكن كيف جاءت تشريعات الإسلام في هذا الأمر سواء في استرقاق الرجال، وسبي النساء والتسري بهن، وفي موضوع "استعباد البشر" عموماً:
(1) جاءت تشريعات الإسلام لتنظم طبيعة العلاقة بين الأحرار والعبيد، وترفع الظلم الواقع عليهم، وحسن معاملتهم، بل وتجعلهم إخوة في الدين إن أسلموا.
(2) سد منابع الرق، والدفع إلى تحرير الإنسان، والتشجيع على عتق الناس ليكونوا أحراراً كرماء.
وتم إلغاء الرق عالمياً، ولم يعد هناك سوقاً للعبيد والرقيق كما كان في السابق، ولكن اتخذ الرق أشكالاً أخرى مثل تجارة الدعارة - الرقيق الأبيض - وسرقة الأعضاء البشرية، وبيع النساء، واستأجرهن واستئجار أرحامهن... إلخ من صور الرق والعبودية المتخذة أشكالاً أكثر قبحاً مما كانت عليه في السابق. ولكن يتم ذلك بصورة غير قانونية، أو بصورة خفية، أو بطرق ملتوية - وبرضى الجميع! - بل وتُسترق أمماً وشعوباً، ويسرقون ثرواتها باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان !!.
وجاءت العلمانية لتكون ثورة على المورث الديني الكنسي في أوروبا الذي قهر وأذل الإنسان روحياً، كما ذله وقهره الإمبراطور مادياً، وتقاسم كل منهما المصالح والثروة، فجاءت الثورة العلمانية لتأخذ الشكل المتطرف من هذا الاستعباد إلى التحرير المطلق، وتأليه الإنسان، وجعل الإنسان مكان الإله !! وأطلقت له المتاع والشهوات من كل طريق، وصاغت له الحقوق والحريات ليفجر أمامه، وما أن سمع القطيع البشري هذه الدعوات.. دعوات الحرية باسم العلمانية، حتى انطلق كالحُمر المستنفرة ليُلبي دعوتها، واعتبر ذلك قمة الرقي البشري، والتطور الإنساني بعد تحرير الإنسان من استعباد الكنيسة والإمبراطور..
وبانتصار العلمانية والتكونات السياسية بعد الحرب العلمانية الأولى والثانية، وسقوط الدولة العثمانية - رمز المسلمين السياسي والعالمي وقتها - صارت العلمانية هي قبلة الناس، وصارت المبادئ الوضعية الديمقراطية وغيرها، هي حلم يطمح الناس أن يصلوا إليه، كبديل عن القهر والاستبداد، ثم لا يجدون إلا سراب في النهاية يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده حرية، بل قهر واستبداد من نوع جديد لكنه أكثر تجملاً.
ولكن تبقى الدعاية العلمانية الديمقراطية الليبرالية، تنادي الإنسان، وتخدع الإنسان بالحقوق والحريات والعدالة والمساواة... إلخ. وهي ناجحة ببراعة حتى الآن في خداع الجميع، وعلى رأسهم الأمة المسلمة.
وفي حالة حدوث "استرقاق وسبي" - كما حدث في الدولة الإسلامية - قد يمثل ذلك خطراً على دعوة الإسلام، وعلى طريقة إفهامها للناس، ودعوة غير المسلمين إليها.. فقد يصح الأمر شرعاً، ويكون غير مقبولاً سياسة.
ومن ناحية أخرى نجد خطورة هذا الأمر، فالمرأة في السابق ليست كالمرأة اليوم.. بل إننا نجد المرأة المسترجلة، والتي أفقدت الرجل قوامته، بفعل الخطاب العلماني الذي يطالبها بالتحرر من أسر الرجل حتى ولو كان الزوج والأب، وبالجملة التحرر من الولي الشرعي لها، وهذا الانقلاب النفسي عند المرأة لا يجعلها تتقبل مسألة الاسترقاق والسبي بهذه الصورة التي كانت مألوفة وطبيعية في السابق.
ووجود مثل هذه المرأة في بيت مسلم، كأنها قنبلة موقوتة لا ندري متى ستثأر وتنفجر، ولقد رأينا فيمن تعمل خادمة بعقد عمل، عندما يتم الاعتداء عليها، تقتل أبناء الرجل، وتنتحر... إلخ من هذه الصور.
ولقد رأينا في التاريخ كيف تم اختراق قصور الحكم لدى المسلمين.. فتم اختراقهم من أنفسهم بالافتتان بجمال الأوروبيات - والزهد في العفيفات الأحرار - فغرقوا في الليالي الحمراء، وانغمسوا في الشهوات - ولو كانت حلالاً - فخارت عزيمتهم، وسقطت اهتماماتهم، بل ودولهم، وتم اختراقهم من الجواري أنفسهن.. ووصولهن إلى التحكم في قصور المسلمين، هم وغلمانهن، وتم الاختراق بدس العدو للجواري في أسواق النخاسة ليذهبن عن قصد لقصور المسلمين، ويطلعوا على أسرارها، ويحيطون بأصحاب القرار فيها..
وكل هذه الأشكال تجعلنا نحذر كل الحذر من مثل هذه الأمور، فلقد كانت الجواري والإماء يطمحن ويتمنين في السابق أن يذهبن للسادة، وإذا تم تحريرهن ما رغبن في هذا التحرر، أما الآن فالمسألة شديدة التعقيد، ونخشى أن يكون لها رد فعل عاقبته وخيمة.
والأمر الآخر: إن الأمة واقعة تحت ذل الاستبداد والقهر من وكلاء الاحتلال الصليبي - أو ما يسمى الاستعمار - وتطمح إلى التحرر والعزة والكرامة والعدالة.. ويناديها الاحتلال الصليبي بـ "العلمانية الديمقراطية الليبرالية" وتستجيب! فتسقط وتنهزم، ويعود يناديها؛ فتستجيب !! لأن صورة الإسلام غائبة أو مشوشة أو مشوهة في نفوس أبناء الأمة، وعندما يسمع البعض منها موضوع "السبي والرق" يستنكر ويستهزأ ويستهول الأمر - بل ويكفر بالدين كله - وفي ذلك عدم إحسان لإفهام الأمة حقيقة دينها، وخاطبها خطاب فتنة؛ قد لا تفهم منه سوى الانغماس في عالم الجواري ! فيقع النفور والإعراض. ونحن ابتداء في غنى عن كل ذلك.
لذا، أرى من الأولى هو الدعوة إلى تحرير الإنسان من الآصار والأغلال المادية التي وضعها عليهم الطواغيت، وتحريرهم من الآصار والأغلال المعنوية التي أحاطت الجاهلية العلمانية بها أرواحهم وقلوبهم؛ وإطلاقهم أحراراً كرماء لا نطمع فيهم ولا في ما بأيديهم، بل تأليف قلوب الناس على الإسلام؛ حتى يدخلوا في دين الله أفواجا.
***
للتحميل نسخة وورد ( اضغط هنا ).
تعليقات
إرسال تعليق