الإخوان والوقت الضائع
خسر الإخوان كل شيء.. خسروا المجتمع الدولي، والعالم الحر! والمحاكمات الدولية، وسوار الذهب (قائد ينقلب من داخل الجيش ويسلمهم السلطة!، وأكد يوسف ندا منذ حوالي سنة - في حواره مع أحمد منصور - أن سوار الذهب سيخرج خلال ستة أشهر، وعليهم فقط الالتزام بالسلمية!) خسروا التأييد الأوروبي، والأمريكي، خسروا أبناء التيار الإسلامي المخلصين.. خسروا الرئاسة، والبرلمان، وصندق الانتخاب، والمحليات، والنقابات، حتى الجميعات الخيرية، وأصول أموالهم.. حتى أعراضهم، ودمائهم..
أما من حيث الدين: فقد تركوا شرع الله، وتمسكوا بالديمقراطية.. رغم أن أصل دعوتهم هي إقامة الشرع، وعودة الخلافة.. ولكنهم حادوا عن الطريق، ودخلوا في عمق التيه البعيد ! مأساة يحزن لهم قلب كل مسلم، وسيظل هذا الحزن، حتى تنتهي هذه الأزمة المسماة "جماعة الإخوان" ! وإننا نظل نكرر ونكرر، ونعيد، ونزيد.. عسى أن يستفيق شبابهم من سُكر الغيبوبة التي هم فيها، وليحذر مكرهم كذلك أبناء التيار الإسلامي في أن ينجروا خلفهم تحت شعارات كاذبة ومزيفة، أو أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة.. وهم يحسبون أنه طريق النجاة !
إنني أتابع عن كثب - تصريحات الإخوان الرسمية - في كل مناسبة، حتى - إذا كانت باطلاً - أحذر الناس منها، وأكشف زيفها - بفضل الله - وأنعش ذاكرتي دوماً بما قالوه سابقاً.. حتى لا أنسى، إذ أنهم يعتمدون على نسيان الناس وزحمة الأحداث في "التبرير والخداع" !
وأحب كذلك تذكير القارئ بأقوالهم، حتى يظل يقظاً حذراً، ولكم أكره الحديث عن الإخوان، ولكم يستهلك ذلك من روحي وعقلي الكثير، ولكم أكره تكرار ما قلته سابقاً، ولكني أجد نفسي مضطراً أمام الذاكرة الضعيفة، والعقلية العاطفية لكثير من الشباب.. فيجب التذكير دوماً بلا ملل، ولا كلل.. من أجل شيء واحد فقط.. هو أن لا يستخف أي سفيه بعقولنا، وأن نكون على بصيرة ويقين من الطريق الذي يجب أن نسير فيه..
وإنني اعتمد في نقدي للإخوان على البيانات الرسمية، وما يصرح به القيادات البارزة في الجماعة، فلا أتقول عليهم ما لم يقولوه، ولا أُلزمهم ما لم يلتزموه..
كانت البداية الآثمة مع قول المرشد: "سلميتنا أقوى من الرصاص" وعليه فطبقاً لنظام الإخوان، لا يسع أحد الخروج عن هذا القول إلا بتصريح المرشد أو من يقوم مقامه، وبالفعل تم تفعيل هذا المبدأ.. لدرجة أنه تم عمل دورات لشباب الإخوان لامتصاص غضبهم - بعد مجزرة رابعة والنهضة - وللتأكيد كذلك على "هوية الصراع" وهي هوية "سياسية محضة" ليس لها علاقة بالإيمان والكفر.. كما جاء في البيان الرسمي لجماعة الإخوان بعد مجزرة رابعة والنهضة بعشرة أيام بتاريخ 24/8/2013م وقالوا: "إخوانهم بغوا عليهم" وبذلك تم امتصاص غضب الشباب، وتقزيم الصراع إلى "الخصومة السياسية" بين الرفقاء !
وليس ذلك فحسب بل تم "تمليح وتشبع" شباب الجماعة بفكرة السلمية.. وأُحضر نبي السلمية "جين شارب" من بين آلاف الكتب السياسية ليُبشر بدين السلمية.. وخرجت قنوات الشرعية لتكتب على "السبورة" والقائد الإخواني يشرح ويكتب اسم "جين شارب" وأدوات "حرب اللاعنف" وأنها حرب الانتصار فيها حتمي ولا شك، وأي محاولة - أي محاولة - للخروج عن السلمية فهو - ولا شك - محاولة من العسكر للاستدراج لمعركة لا تُجيدها، وإن ما يفعله البعض من تفجيرات هو "فعل المخابرات" بدون أدنى شك.. وإن الذين يدعونكم للكفر بالسلمية.. والانجرار إلى "العنف" هم "أتباع" المخابرات.. فاحذروهم وحذروا منهم، وفي كل بيان منذ مجزرة رابعة حتى اللحظة يؤكد الإخوان على "سلمية" الحراك؛
فأعمل العكسر حرب إبادة فيهم تخطت كل الحدود، والأعراف.. فطال الأسر والاعتقال النساء، والأطفال، والشيوخ، وهذا لا يحدث إلا في حالات الحروب.. مع عدو قذر شديد الكفر والعداء، وحملت النساء سفاحاً في السجون، واغتصب الرجال، وانتهكت المقدسات.. وفي كل مرة يؤكد الإخوان على "السلمية" ويؤكدون للسادة في الغرب على "السلمية" ولم ينسوا أن يقنعوا بعض المتدينين بالسلمية من "الناحية الشرعية"، عبر استدلالات باطلة، كما هي عادة القوم !
وبالسلمية والتظاهرات والمسيرات.. تحول الإخوان إلى "معارضة" ضد النظام، أي نعم هي معارضة متطاولة قليلاً، لكن يمكن تهذيبها وتأديبها فيما بعد، وبذلك تم تثبيت الانقلاب، خسرت كل حسابات الإخوان.. ولم يتبق أمام إتمام خارطة الانقلاب إلا "الانتخابات البرلمانية"، والإخوان في ذهول عن الأحداث، وتفكر كالمجنون! وتجري وراء أخيلة! وتقذف بأثمن ما تملك، لتحتضن أقذر ما تمسك به يداها من أوهام "الشرعية الديمقراطية" !!
قبيل ذكرى ثورة يناير 2015م خرجت حركات تسمى نفسها: "العقاب الثوري" "المقاومة الشعبية" "مجهولون"...إلخ هذه الحركات تمارس نوعاً من "المقاومة" على الطريقة الثورية المحدودة.. وفعلت بعض الأمور التي أنكرناها مثل حرق المواصلات العامة ومحولات الكهرباء، والمياه...إلخ وذكرت ذلك تفصيلاً في مقال "العبث الثوري" وقلنا: إذا كان هذا الشباب لا يحركه أحد، ورأى من تلقاء نفسه أن السلمية وهم، وأن الحل في القوة.. قلنا: أيها الشباب.. إن المسلم لا يتحرك من تلقاء نفسه، فمعنى الإسلام هو الاستسلام لله رب العالمين، فمتى قال: "كفوا أيديكم".. كففنا أيدينا، ومتى قال: "اضربوا فوق الأعناق".. ضربنا فوق الأعناق، فليس لنا من "الأمر" شيء.. قل: إن الأمر كله لله.
ولكن لاحظنا إشادة من الأذرع الإعلامية التابعة للإخوان بأفعال حركات "العقاب الثوري" و"المقاومة الشعبية".. وفي نفس الوقت لم تنسب الإخوان هذه الحركات لنفسها، ولن ننسب للإخوان ما لم ينسبوه لأنفسهم، إلا أننا نحاول الاقتراب من الحقيقة.. لقد صدر بيان مجهول حمل شعار الإخوان فيه حديث عن إعداد القوة، ونقولات الشيخ حسن البنا - رحمه الله - حتى ذكروا "الورد الرياضي" للياقة البدنية! حتى أن إعلام الطاغوت اهتم به، ورحت أبحث عنه في قنواتهم الرسمية، ولكني لم أجده!.. ربما لم يخرج عنهم، ربما خرج.. وترجعوا عنه وخذفوه !
وفي 31 / 01/ 2015 م تبرأ القيادي حمزة زوبع - في لقاءه على قناة الجزيرة "برنامج الواقع العربي" في الدقيقة 22 من حلقة بعنوان "واقع جماعة الإخوان المسلمين في مصر" - تبرأ من جميع هذه الحركات، وقال: (إن الإخوان اسمها "جماعة الإخوان" عنوانها واضح، وسياستها واضحة، وحزبها واضح" وأن سلميتها أقوى "بكثـــير جداً" من الرصاص.. راهنا على ذلك منذ اليوم الأول، وها نحن بعد تسعة عشر شهراً توازن القوى موجود، وتوازن الرعب موجود ! والثورة لا تزال تُعبر وتفصح عن نفسها في أجمل صورها !! انتظروا القادم من الأيام" !! ا.هـ فصار هتك أعراض النساء والرجال واعتقال الأطفال "ثورة في أجمل صورها"!! ويطالب بـ "انتظار" القادم من الأيام !!
* * *
قامت حركات العقاب الثوري والمقاومة الشعبية ومجهولون.. بقتل بعض المخبرين وأمناء الشرطة، والاعتداء على بعض ممتلكات قيادات الشرطة، وأشاد الإخوان بهذه الأخبار، وأبرزتها.. وفي نفس الوقت أدانت جماعة الإخوان في بيان رسمي ملتوي "عملية سيناء المباركة" وقالت: "الدم المصري كله حرام" وهذا التناقض، وهذه البرجماتية القذرة.. شيء أساسي وثابت عن كافة تصرفات الإخوان !
فإذا كانت حركات العقاب الثوري وغيرها تتبع الإخوان، فهي - طبقاً لبيانات الإخوان الرسمية - ترتكب حراماً، وجرماً شنيعاً، فالاعتداء على الدماء - من غير وجه حق - من أبشع وأشد الجرائم.. وإذا كانت الإخوان تدعم هذه الحركات سراً، فإني أحذر هذا الشباب من أن جماعة الإخوان ستبيعه - وتسلّمه للعدالة ! - عندما يلوح أي أفق لحل سياسي، وتوافق وطني !
وإذا كانت هذه الحركات وغيرها - لا تتبع الإخوان - فأني أنصح هذه الحركات أن تلتزم صراط الله المستقيم بـ: (1) رفع راية الله وحده لا شريك له. (2) رفع لواء شرعه لا شرعية ديمقراطية، ولا شرعية ثورية. (3) الخروج من حالة "الغضب المؤقتة" إلى حالة "الجهاد الدائمة". (4) الهدف ليس مجرد "القصاص" بل إقامة دين الله في الأرض. (5) التزام أمر الله ونهيه في كل شيء، ولا نتقدم برأي أو استحسان أمام أمر الله.
* * *
وأما جماعة الإخوان.. فقد سبق النصح مراراً وتكراراً، ولكنهم لا يسمعون ! ويعيشون في "قدسية" الجماعة.. التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.. ويحسبون أن من ينصحهم هو حاقد أو حاسد أو مخابرات ! ولكني أرى الله - جل جلاله - يعطيهم الفرصة تلو الفرصة.. ويأخذهم بالحسنات والسيئات؛ لعلهم يرجعون..
لقد لفظهم العالم أجمع.. وهذه فرصة عظيمة لطرق "باب الله" فهو الباب الوحيد المتبقي، حتى من باب المحاولة !! إن أمريكا عندما أعطت فرصة لـ "إخوان العراق" قتلوا المسلمين تحت راية الصليب والفرس ! وحاول "إخوان مصر" أن تعطيهم أمريكا الفرصة؛ فلم ينجح الأمر - حتى الآن - ! وهذه فرصة عظيمة للتوبة.. تأتيكم في "الوقت الضائع" فلا تضيعوها؛ فيأخذكم عذاب عظيم !
كل المطلوب هو التوبة:
(1) التوبة من دين البرجماتية، ودين السلمية، ودين التلون والتوافق مع العلمانية.
(2) التوبة من جريمة "العبث" بدماء وأعراض المسلمين، ودفعهم إلى مواجهة وحوش الطاغوت.. وهم بصدور عارية، بعدما أعميتم قلوبهم وعقولهم بأقوال فاسدة، حتى سالت دماء المسلمين في ربوع مصر كلها.
(3) البراءة من قيادات الجماعة التي ضيعت الدين والدنيا، ونبذ بيعتها، والمبايعة من جديد على "الجهاد في سبيل الله".
(4) التوبة من الشرعية الديمقراطية، والمسار الديمقراطي.. والتزام "شرع الله" وحده لا شريك له بحدوده ومقاصده.. وإبراز هوية الصراع "إسلامية تامة خالصة" لوجه الله الكريم.
(5) البراءة من إخوان العراق، وسوريا، وتونس.. على وجه الخصوص، والتوبة من إدانة "حادثة باريس الموفقة" فالإدانة جرم غليظ، وعذابه شديد.
(6) الفكاك من ارتباطات التنظيم الدولي.. الذي يحافظ على مصالحه المادية والسياسية مع الغرب.
(7) الكفر بالطاغوت "كل" الطاغوت.. فالطاغوت ليس بأخ لكم بغى عليكم، بل عدو الله ورسوله والإنسانية كلها.
(8) التوبة من الولاء والبراء على غير الإسلام، فالولاء لله ورسوله وعباده المؤمنين، وليس الولاء لمن أيد "الشرعية الديمقراطية للإخوان" ! والبراء من الكافرين ممن نبذوا شرع الله، وتولوا الصليبيين.
(9) حشد طاقات الجماعة، وشبابها، وأموالها.. في سبيل تحرير مصر والأمة كلها من رجس الطاغوت، وهيمنة الصليب.. حتى يكون الدين كله لله.
(10) الجهاد ليس في سبيل الجماعة.. بل في سبيل الله، ابتغاء مرضاة الله، تحت راية الله، جهاد ليس فيه أي حظ مادي أو معنوي لكم أنتم بالتحديد، عسى الله أن يتوب عليكم.
إنها - فيما يبدو - الفرصة الأخيرة في الوقت الضائع، فيا لسعد من اغتنمها، ويا لشقاء من مضى في غيه، وما ربك بظلام للعبيد.
* * *
موضوعات ذات صلة:
* * *
تعليقات
إرسال تعليق