براءة وبيان
نبرأ إلى الله من "تفجير نجران" - الذي وقع بالأمس في مسجد لـ "الإسماعيلية المكارمة" - نبرأ من:
-          الخطأ الشرعي الفقهي في استهداف المسجد - أو مكان العبادة - للمصلين.
-          الخطأ السياسي الواقعي في شيوع استهداف المساجد ودور العبادة، و"المردود العكسي" لذلك.
-          قتل النفس في هذا الموطن، تحت هذه الذريعة.
ولقد سبق التفصيل والبيان في مقاليّ: "المسألة الشيعية" و"الدولة الإسلامية.. وتفجير عسير" ما يغني عن التكرار هنا.
وأهيب بالعقلاء في "الدولة الإسلامية" وقف حالة "الجنون" هذه، التي تستنزف الدولة أكثر مما يستنزفها "التحالف الستيني" وأذكرهم بمصير "إخوان من طاع الله" مع عميل الإنجليز ابن سعود، وأذكرهم بمصير "الجماعة الإسلامية المسلحة" بالجزائر بعد أن انحرف بها الجاهل المجرم "أبو عبدالرحمن أمين". 
وأقول اختصاراً: إن شيوع مظاهر البدع، واقتراف الشرك في الأمة.. أمر ليس وليد اليوم، بل وقع فيها في فترات مبكرة من عمر الدولة الإسلامية، ولقد كان كبار الأئمة والفقهاء يُفندون أقوال أهل البدع، وأحوالهم، ويدعونهم إلى الهدى وإلى صراط مستقيم.. إذ أن "السواد الأعظم" ممن يقع في البدع - حتى البدع المُكفرة - يقع فيها على سبيل "التقليد" "وحسن القصد" ولهذا كان الأئمة والفقهاء حريصون على دعوتهم وهدايتهم، وعلاجهم لا قتلهم ! فالأئمة الكبار لم يوافقوا أهل البدع على بدعهم، بل فندوها وبينوا وجوه الكفر فيها بكل جلاء ووضوح، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم.. وفي نفس الوقت لم يستحلوا دمائهم، فضلاً عن تفجيرهم بصورة عشوائية، أو تفجير أماكن عبادتهم !!.
وإنما كانوا يناقشون مواطن الكفر، ومواضعه.. ويأخذون الناس بالرفق واللين تارة، وبالشدة والحزم تارة.. تأليفاً لقلوبهم، ولعودتهم إلى صحيح الدين. وإما تكفير أعيانهم واستحلال دمائهم، فلم يتورط فيه أحد من الأئمة.. لأنهم يعلمون مدى خطورة ذلك.. لا سيما في حالة "السلم" وعدم رفع السلاح على المسلمين.
وأما في حالة قتالهم للمسلمين، فقال العلامة ابن تيمية - عند ولاية أهل البدع وتسلطهم على المسلمين بقوة السيف والسلطان - ""فَإِنَّ الْقَاهِرَةَ بَقِيَ وُلَاةُ أُمُورِهَا نَحْوَ مِائَتَيْ سَنَةٍ عَلَى غَيْرِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ؛ وَكَانُوا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ رَافِضَةٌ وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ: إسْمَاعِيلِيَّةٌ ونصيرية وَقَرَامِطَةٌ بَاطِنِيَّةٌ كَمَا قَالَ فِيهِمْ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ: ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمْ الرَّفْضُ وَبَاطِنُهُ الْكُفْرُ الْمَحْضُ. وَاتَّفَقَ طَوَائِفُ الْمُسْلِمِينَ: عُلَمَاؤُهُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَعَامَّتُهُمْ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ: عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا خَارِجِينَ عَنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ قِتَالَهُمْ كَانَ جَائِزًا" [مجموع الفتاوى ج28/ 636]
ولقد سبق البيان بأن القائد صلاح الدين الأيوبي جاء إلى مصر وهي على المذهب الفاطمي - الإسماعيلي، ولم يُفجر الأزهر الذي بناه الفاطميون ! بل تم تحويله إلى السنة، ونشر مدارس أهل السنة.. وأحسن إلى أهل مصر وأجزل لهم العطاء.. فتحول الشعب تلقائياً إلى صحيح الدين، دون الحاجة إلى أن "يُفجر" أهل مصر، أو يهدم مساجدهم، فهذا هو فكر القادة.
فقد "وضع صلاح الدين الأيوبي مخططا داخليًا حكيما للقضاء على المذهب الشيعي واستئصال معالمه ومعاقله، وكان ذلك باتخاذ عدة اجراءات، فأبطل من آذان الصلاة عبارة : " حي على خير العمل"، وهي من العبارات التي تميز آذان الشيعة، كما عزل قضاة الشيعة، وعين له نوابا في أرجاء البلاد من قضاة الشافعية، وعين قاضيا شافعيا في منصب قاضي القضاة، هو صدر الدين عبد الملك بن درباس الذي أصدر فتوى بتعطيل صلاة الجمعة في الأزهر، وهو عملًا أريد به طمس الدور الذي يقوم به الجامع في نشر المذهب الشيعي والقضاء على كونة أيقونة الدولة العبيدية في مصر، وتدرج صلاح الدين في الإجراءات تدرجا بالغ الحكمة والذكاء حيث ألحق تلك الخطوات باجراء آخر وهو قطع كثير من الأوقاف التي كانت تصرف على الأزهر من أجل نشر المذهب الشيعي، وحرم الاحتفالات الدينية الشيعية، وبالتدريج أخذ المذهب الشيعي في مصر يحتضر ويلفظ أنفاسه الأخيرة" .. [صلاح الدين الأيوبي - الناصر لدين الله - أحمد عبد الجواد الدومي]
ولم يكن من دأب العلماء أن يكفرون بالجملة، أو يكفرون الأعيان.. فضلاً عن القول بتفجيرهم وقتلهم.. بل إن العلامة ابن تيمية - رحمه الله - على شدته المعروفة على الرافضة لم يُكفرهم، بل اعتبرهم مسلمين فقال:
"وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ مُبْتَدِعَةِ الْمُسْلِمِينَ: مِنْ الرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّة وَغَيْرِهِمْ إلَى بِلَادِ الْكُفَّارِ فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَانْتَفَعُوا بِذَلِكَ وَصَارُوا مُسْلِمِينَ مُبْتَدِعِينَ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا" [مجموع الفتاوى ج13، ص 96 | دقائق التفسير ج2، ص 143 ]
ولأن هذا القول لم يُعجب البعض فراح يخترع من عنده أشياء بالقول: باختلاف حال الرافضة، أو هذا القول مدسوس على ابن تيمية... إلخ من المهاترات التي تحاول "الانتصار للرأي" و"اعتقاد الحق المطلق" !!. ثم تفسيق وتبديع وتكفير من يخالفه !.
وأنا لا أدافع عن الروافض، وإنما محل النزاع، هو كيفية التعامل مع أناس على بدعة - وإن كانت مكفرة - وأرى أنهم طالما لم يحملوا علينا السلاح ولم يقاتلوا تحت راية أعدائنا.. فهم محل الدعوة والبيان، والنصح والإرشاد.. أو محل المحاصرة وتجفيف دعوتهم، وليس تفجيرهم واستباحة دمائهم. وهذا ما أجده موافقا لتاريخ الأمة وللفقه الإسلامي. أما استحلال دماء عوام الشيعة في كل مكان فهو قول طارئ قالت به الدولة الإسلامية فقط. لو تراجع مقال: المسألة الشيعية تجد فيه بعض التفصيل إن شاء الله.
ونقطة أخيرة ليس لها علاقة بالموضوع: وهي تسمية الولايات - كمثل "ولاية الحجاز" - فمثل هذه المسميات لا تليق، فيجب احترام مضمون المعاني والكلمات، وأن يكون اللفظ بالفعل يحمل معناه، وليس مجرد كلمات فارغة - أو أمنيات - حتى لا تفقد الكلمات معانيها، وقيمتها عند استخدامها في غير موطنها، فلا يصح عقلاً أن يُفجر أحداً - مثلاً - محطة قطار في موسكو، ثم يُخرج بياناً يتبنى العملية باسم "ولاية موسكو" فهذا عبث لا يليق بجدية قيام دولة الإسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيان
اُعتبرت من الأقلام المناصرة للدولة الإسلامية، ولما كانت ساحات "التواصل الاجتماعي" هي وسيلة الإعلام، والتي ادعى فيها البعض أنه من "شرعي الدولة" وأنه من "جنودها" وأنه من "أنصارها" الأوفياء، ولما كانت كل هذه الألقاب ليس عليها دليل، ولا يمكن نفيها أو إثباتها، ولما كان ضيق المجال الإعلامي للدولة، وعدم ارتقاءه لأن يكون إعلام دولة، حدثت إشكاليات كبرى منها: تعدد تصورات الدولة لدى كثير من الناس.. بل بين الأنصار أنفسهم، حتى رأيت عجباً ! رأيت أنصار الدولة يتهم بعضهم بعضاً بأنه مدسوس لتشويه صورة الدولة، أو لخداع أنصارها، أو لتشويه منهجها ! فمنهم من يقول: انظروا إنه لا يُكفر فلان ! إنه يريد تجميع أنصار الدولة بإدعاءه نصرتها ثم يُحرف منهج الدولة ! ومنهم من يقول: انظروا إنه يُكفر الناس ! إنه دسيسة مخابراتية لترويج الغلو والتكفير عن الدولة، ليفض عنها الأنصار !.
لذا كان لا بد من هذا البيان - وإن سبق الإشارة إلى الكثير من مضمونه في مقالات مختلفة، فلا مانع من جمع هذا البيان في هذه السطور مرة ثانية - حتى تضح الصورة بشكل سليم إن شاء الله.
نصرة الدولة:
إني انصر الدولة في جهادها ضد المحتل الأمريكي وحلفه، ومن يقف تحت رايته.. وانصرها في "المشروع السياسي" لقيام دولة إسلامية ذات سيادة، تجتمع على الإسلام وتنتسب للشرع، ولا تقوم هذه الدولة إلا بالجهاد في سبيل الله، وكل مقالاتي في نصرة الدولة كانت تحت هذا الأصل.
وأنا أنظر إلى فعلها على أنه "مشروع" وليس دين أو عقيدة، مشروع قابل للنجاح والفشل، ونسأل الله له النجاح.. وهذا المشروع لا بد فيه من "التغلب" بالقوة على الأنظمة الطاغوتية الحاكمة، والقائمة بالفعل.. إذن: فالجهاد هو تجاه المحتل وخدمه من أنظمة الطاغوت.
وعليه: فإن النصرة ليست هي ضد أحزاب أو جماعات أو فصائل.. لها توجهات أو اجتهادات مختلفة، ولستُ مع التغلب على من يجاهد أنظمة الطاغوت.. إنما التغلب فقط على عدو الأمة والدين، أما غير ذلك ممن يجاهد هو الآخر، ولكن له توجهات مختلفة فليس له إلا الاندماج أو التوافق والتعاون أو أضعف الإيمان وهو "الحياد" ولا أنصر أي أحد يحول المعركة مع المحتل الأجنبي والمحتل المحلي - أنظمة الطاغوت - إلى آخرين ممن يقاتلون العدو لكن أصحاب اجتهادات وتوجهات مختلفة.
هذا من حيث الأصل العام، أما من حيث الواقع.. ومع الفتنة الشديدة التي حصلت، فلا أُبرأ أصحاب هذه الاجتهادات من أخطاء كارثية، أدت إلى "الاقتتال الداخلي"، وقد سبق الحديث عنها حينها.
*   *   *
التكفير:
أنا اعتقد كفر الحكام بأعيانهم، وبكفر أنظمتهم فهي "أنظمة طاغوتية" فيها "الكفر البواح" إلا أنني ( لا أُكفر ) من يقول بغير ذلك.. واعتبر من يقول: "من لم يكفر الحكام فهو كافر" هو من أهل البدع والغلو والأهواء.. وليس له على ذلك دليل من كتاب أو سنة، سوى التكفير بالتركيب والمآل وبلازم الأقوال !.
ولقد وجدت - وللأسف - حالات من "جنون التكفير" حتى تحول إلى سُعار ووحش وشهوة تلتهم في الأمة، حتى وجدت من كفّر أكثر طوائف الأمة فيما لا يزيد عن سبعة أسطر ! ولا يمكن تحميل الدولة مثل هذه الأقوال حتى تلتزمها، إلا أن ساحات التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك، وتويتر...إلخ ) جعلت الأمور بلا ضوابط.
وقد وجدت من يقول بأن: الإخوان المسلمين، حزب النور، جبهة النصرة... إلخ طوائف ردة !. وأنا أتبرأ من هذا التكفير بالجملة والعياذ بالله، وقد خصصت له - فيما مضى - مقالاً مطولاً بعنوان: "الغلو في التكفير" وأقول بوضوح هنا: إن السلاح النووي الذي يُفجر قضية الجهاد، ويُفسد نجاح المسلمين في التخلص من المحتل الأجنبي والمحلي.. هو "سلاح التكفير" ومتى انطلق في بيئة جهادية إلا فجرّها، وأفسدها، وهو أسهل وسيلة يلجأ إليها العدو لتفجير الساحة الداخلية بين المجاهدين من جانب، وبين المجاهدين وعموم المسلمين من جانب آخر.
وأقول: إن القضية ليست هي مجرد تكفير شخص أو الاختلاف في حكمه.. إنما هي قضية التخلص من "الأنظمة الطاغوتية" وإنني رأيت أنه من الأفضل عدم الانشغال بشخص الحاكم - حتى ولو كان كافراً خالصاً - حتى لا تتحول القضية إلى معركة شخصية، أو أن يجد البعض الحرج والخوف في تكفير شخص بعينه فيجعل قضية جهاده مرتبطه بتكفيره حصراً، أو تحويل القضية إلى "الاختلاف" حول حكم شخص، أو الاتجاه إلى القضاء على "شخص الحاكم" مع بقاء نظام الطاغوت كما هو كاملاً !! 
وقد وجدت أن الأفضل والأقرب إلى وعي عموم المسلمين هو الحديث عن "الأنظمة" فالقضية هي ظهور الكفر البواح، وتبديل شرع ربها، وظهور الظلم والفساد والإفساد في الأرض، وتركيع الأمة للمحتل الأجنبي، وسرقة ثرواتها،... إلخ وهي أمور واضحة ظاهرة، المطلوب فيها هو: إسقاط شرعية هذه الأنظمة، والثورة عليها، والجهاد باليد واللسان والقلب في سبيل التحرر منها.
وهناك طوائف تقف خلف الأنظمة الطاغوتية هذه مثل حزب النور، والإخوان.. ولكن لا يمكن اعتبرها "طوائف ردة" لأنها لا تعتبرها مثلما نعتبرها نحن أنها "أنظمة طاغوتية" بل تعتبرها أنظمة متغلبة لها الشرعية كما في حالات حزب النور، أو تعتبرها معركة نضال سياسي ديمقراطي كما في حالة الإخوان !! وهما "فتنة مُضلة" و"فكر منحرف" يُعطل عملية تحرير الأمة، ولكن كل ذلك لا يسمح لنا بالتكفير بالجملة، إنما:
الموقف من حزب النور والإخوان - في مثل هذه الحالة - هو موقف: دعوة وبيان وكشف للحقائق، معركة تحرير الفكر، وإنقاذ الشباب من هذه "المحرقة".
وأما في حالة رفع السلاح، وافترضنا أن شباب من حزب النور مثلاً يقف تحت راية الأنظمة الطاغوتية يُقاتل في سبيلها؛ فإنه في مثل هذه الحالة.. نحن نقاتل "الراية" ونرد هذا العدوان، ونحرر الأمة من هذه الأنظمة، بغض النظر عن حكم كل من يقف تحت هذه الراية، وليس لدينا "هواجس" تكفيرية تجاه كل فرد. فهي معركة ضد "الأنظمة" وضد "الكفر البواح" معركة بين الإسلام والطاغوت. 
*   *   *
الديمقراطية:
وقد سبق الحديث المطول عنها في العديد من المقالات مثل: الديمقراطية.. سؤال وجواب. وأقول هنا: إنني لا أقول "بردة" كل من يدخل المجالس النيابية والبرلمانات بالجملة، وبالأحرى من ينتخبهم كذلك. وذلك لوجود شُبهات كثيرة منها: الدخول من أجل مغنم أو مال، أو الدخول من أجل إصلاح بين الناس، أو لمنع ما يمكن منعه من مخالفات، أو الظن بالتغيير من خلال البرلمان وصناديق الانتخاب، أو اعتقاد أنه شكل من أشكال الشورى في الإسلام... إلخ، وأقول: بالردة لمن يدخل البرلمان وغيره عندما "يرضى" بغير شرع الله، أو "يُتابع" و"يوافق" على غير شرع الله، أو يُبدل شرع الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون. فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم. ولكن من رضى وتابع"(أخرجه مسلم).
ولا اتهم أحداً بالكفر وهو: جاهل أو متأول أو مُقلد محسن القصد أو مُتبع لفتوى شيخ !. وأحاول هنا غلق هذا الباب ولو بالأعذار الواهية، والحجج الضعيفة.. حتى لا يُرمى عموم المسلمين بالشِرك والكفر، وغلق باب التكفير بالعموم !.
وهناك من يعتقد: أن من يقف على باب البرلمان كافر، ومن ينتخب مرتد ! ويُلزمهم بأمور كفرية لم يلتزموها، ولم يعتقدوها، ولم يقولوا بها، بل ولا يعرفونها ! وهناك من يستحل دماء من يُصوت في الانتخابات ! وهي مرحلة أشد من مرحلة القول "بردته" لأن القول بالردة معناه: وقوع مسلم في ردة، تستلزم الاستتابة والنصح والدعوة والبيان، وإقامة الحجة وكشف الدلائل والحقائق... إلخ، أما: استحلال الدماء فهي مرحلة "تنفيذ الحدود" عن طريق آحاد الناس، ومعنى ذلك أنها ستكون فوضى القتل العشوائي، وترجع الأمة يضرب بعضها رقاب بعض.. الأمر الذي حذر من الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهى عنه.
وأقول: إن النظام الديمقراطي.. والدولة القومية العلمانية الحديثة، لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون مدخلاً لـ "تحكيم الشرع" وإقامة الدين، فهي ابتداء فكرة غربية قائمة على نبذ الدين وسيادة الشعب، وكل الذين حاولوا التغيير من داخل النظام العلماني لتحويله إلى "النظام الإسلامي" فشلوا، وفشلت جميع التجارب المعاصرة. لأن بنية هذا النظام وجبره بقوى الغرب الصليبي من أعقد وأكبر التحديات التي تواجه الأمة، فهو نظام راسخ ممتد، مجبور بقوى خارجية، وداعمه له. ولقد احترقت أجيال وطاقات من أبناء المسلمين وثرواتهم في سبيل وهم التغيير من خلال الديمقراطية ومن داخل النظام.
*   *   *
الشيعة:
لا أقول بكفر عموم الشيعة بالجملة، ولا استحلال دماء كل مُسالم منهم - ومن أصحاب البدع ولو كانت كفرية - وقد أوضحت ذلك في مقال: "المسألة الشيعية" واعتقد أن النموذج الأمثل في مواجهة الشيعة هو "مدرسة صلاح الدين الأيوبي ونور الدين محمود".. وهو نموذج عملي ناجح مُقدم على غيره، سيما من أصحاب نظريات الإبادة الجماعية لكل شيعي.
وأما من يقف منهم خلف راية المحتل الأجنبي، فلا إشكالية في "قتال" كل من يقف تحت راية أعداء الأمة أياً كان مذهبه واعتقاده، ولو كان من أتقى الأتقياء !!.
وأما مسألة تفجير مساجد الشيعة، والقتل العشوائي... إلخ فهذا منكر لم يقل به أحد من الأئمة الكبار، ولم يفعله قادة المسلمين عبر التاريخ، ولقد اشتدد نكير البعض عليّ لقولي "مساجد" الشيعة، ولم ينتبهوا إلى أن الله سبحانه قال: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ "مَسْجِداً" ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [التوبة : 107] فسّماه الله مسجداً، وتم هدمه.
وهناك من يجهل كيفية التعاطي مع الأدلة الشرعية، فهناك أدلة تخاطب المسلم فرداً، وأدلة تخاطبه جماعة، وأدلة تخاطبه دولة، وأدلة تخاطبه قائداً وقاضياً وحاكماً.. وهناك من يعيش حالة "اغتراب نفسي" يتلقى الأدلة التي تخاطب الدولة أو الخليفة أو الأمير.. ويذهب ليقوم بها في حالة "إنكار" لطبيعة حاله، وطبيعة الحالة الواقعية، وتعقيداتها وتشابكاتها.. وقد يستغل العدو المتربص هذه الحالة من الاغتراب النفسي والفكري في تفجير الأمة من داخل.
وإنني من مدرسة: "علاج المريض لا قتله" و"الحلم والأناة والأدب مع عموم المسلمين والأمة" و"عدم العمل من خلال خطة العدو".
وإنني ككل مسلم لا يرضى أن ينتصر العدو على المسلمين، ولا أن يتغلب عليهم أهل البدع والضلالات من الشيعة وغيرهم، ولا أن تُراق دماء المسلمين في أي مكان.
*   *   *
الفقه السياسي الإسلامي:
إنني ادعو إلى التحرر من الفقه السياسي لـ "الملك العضوض" و"الملك الجبري والطواغيت" وأرى أن اجتهادات المسلمين في فترة الملك العضوض - في الأمور السياسية خاصة - لا تُلزمنا، وأرى القفز فوق هذه المرحلة، والعودة إلى "الفكر الراشدي الخالص" وهذا هو الطريق إلى "الخلافة الراشدة" وإن العقبة الفكرية التي تقف أمام ذلك هو "الإرث الفقهي السياسي" لـ "فترة الملك العضوض" وشرعية التغلب بالسيف، واغتصاب شورى المسلمين، والتأصيل الشرعي للظلم والطغيان.. والدفاع عنه !! والإستهانة بدماء وكرامة وثروات المسلمين.
وأرى أنه لا يوجد شكل محدد لـ "نظام سياسي" يُلزمنا أو نتعبد به الله - جل جلاله - إنما هي مبادئ عامة منها: تحقيق شورى الأمة وذوي العلم والفضل والعقل والمكانة فيها، وتحقيق فاعلية الأمة وحملها الرسالة، تحقيق الحق والعدل الرباني، المساواة بين الناس... إلخ، وقبل كل ذلك "الاجتماع على الكتاب والانتساب للشرع" فهو المرجعية الأولى والدستور الجامع. أما الأشكال السياسية والإدارية والتنظيمية فهي منوطة إلى اجتهاد كل جيل، وقد أوضحت ذلك بشيء من التفصيل في مقال: "إشكاليات السلفية" و"إن ضرب ظهرك" و"ثورة الحسين.. والخلافة الراشدة" و"خريطة تحكيم الشريعة" و"شرع الله حق الله على العبيد".
*   *   *
ولقد أوضحت بشيء من التفصيل أوجه الاتفاق والاختلاف مع الدولة في مقال: "الدولة الإسلامية.. وتفجير عسير" وهناك جماعة من الناس لا تعتقد إلا "الحق المطلق" حتى في أتفه الأشياء، وتريد حالة من "الذوبان الكامل" و"التماهي الكلي" مع الدولة الإسلامية - أو مع ما يعتقدونه من حق مطلق - وأي اعتراض أو نقد أو نصح.. فهو عدو للدولة، ومن خصومها.. ويعتبرون ذكر مواطن الاتفاق: عملية خيانة ! ودس للسم في العسل ! وغيرها من التصورات العاطفية الطفولية الساذجة التي تُهلك الأمة !!.
وأخيراً: نسأل الله تعالى أن يُلهم هذه الأمة رشدها، وأن ينصرها على عدوها، وأن يحررها من طواغيتها، وأن ينصر مجاهديها، وأن يجمع فرقتها، وأن يوحد رايتها، وأن يؤلف بين قلوبها، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يهدينا سبيل الرشاد.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
*   *   *
موضوعات ذات صلة:
*   *   *
تعليقات
إرسال تعليق