التحالف الإسلامي العسكري
أعلنت الرياض بتاريخ 15 / 12 / 2015 عن تشكيل "التحالف الإسلامي العسكري" لمواجهة الإرهاب، يضم 35 دولة سنية ليس من بينها ( العراق، سوريا، إيران، عُمان ) فلماذا تم تشكيل هذا التحالف، وما الخطورة الكامنة من وراءه ؟
في البداية هناك تحالف من أكثر من ستين دولة لمواجهة "الدولة الإسلامية" وهذا التحالف يضم أكبر قوى عسكرية في العالم ، فهل عجز هذا التحالف عن هزيمة الدولة الإسلامية.. الأمر الذي احتاج معه إلى "التحالف الإسلامي العسكري" ؟!
تقويم النجاح والفشل، يكون على أساس الأهداف المراد تحقيقها من التحالف الستيني بقيادة أمريكا.. وأرى أن هدف التحالف الستيني هو:
- الحرب الجوية فقط من خلال القصف المستمر.
- توفير عملاء محليين على الأرض.
- هندسة الصراع وتحديد أطره.
وأرى أن التحالف نجح إلى حد ما في تحقيق هذه الأهداف. ولا ننسى أن نُشيد بكثير من الإعجاب إلى الباسلة الرائعة التي قدمتها الدولة الإسلامية في مواجهة هذا التحالف، والصمود الأسطوري لها، ولكن هذا شيء غير مسألة تحقيق "النصر الاستراتيجي" الذي يفكر فيه التحالف.
إن الجميع: التحالف الستيني والدولة الإسلامية يعلمون أن المعركة لا يمكن حسمها إلا عن طريق البر، ومن خلال قوة برية عسكرية.. وبالخبرة المتكونة لأمريكا بعد تجربة أفغانستان والعراق - ومن قبل في فيتنام - تبين لها أن أفضل استراتيجية هي: "السيادة الجوية" "العمل الاستخباراتي" "العملاء المحليين".. ووجدت في تجربة الصحوات - إبان احتلال العراق - ضد "تنظيم القاعدة" - قبل تكون الدولة الإسلامية - تجربة رائدة، تريد تعميميها ضد الدولة الإسلامية، ولكن بصورة دولية.. من أجل هدف أخطر !!.
والمطلوب للقضاء على الدولة الإسلامية من وجهة النظر الأمريكية:
- قوة برية هائلة. ( تتكون من الدول الإسلامية ).
- أن تكون هذه القوة "سنية" لتكون بديلاً عن الدولة الإسلامية، ولتكون حاضنة ضد التوغل الشيعي العراقي الإيراني العلوي النصيري.
فالمنقطة العربية - والشرق الأوسط - تم التخطيط له منذ سنوات على تقسيمه على "أساس طائفي" [ سني - شيعي - كردي - علوي - درزي ].. فتقسيم سايكس بيكو سيكون في ذاكرة التاريخ.
والدولة الإسلامية ترتكز حاضنتها الشعبية ليس على أيديولوجية الدولة "السلفية الوهابية" - إن صح التعبير - بل ترتكز على كونها المُمثل لـ "أهل السنة" الحصري والوحيد سيما في العراق.. وأن البديل عنها هو "الوحش الشيعي" الذي أذاق سنة العراق الويلات، واستباح كل الحرمات، وفشلت جميع عمليات الدمج السياسي اللهم إلا استطاعتهم خداع قيادات الإخوان المفتونة بالسلطة، الطامحة للحكم، وهؤلاء محل احتقار وازدراء من الجميع.
ولكي يتم تدمير هذه الحاضنة أو هذه الركيزة التي تقوم عليها الدولة لا بد من وجود "بديل سُني" وسلاح سُني.. يحل محلها أو يرثها، حتى ولو كان هذا السني بعثياً ( قيادات البعث في العراق وسوريا ) كما يخططون.
* * *
والآن إلى المسار التاريخي للأحداث:
* في عام 2007: طرحت فكرة تقسيم العراق من الخارج عبر إدوارد جوزيف ومايكل أوهانلون في معهد بروكينغز الأميركي، حيث أكدا في ورقتهما أن تقسيم العراق الناعم يجب أن يتم عبر مساعدة المجتمع الدولي، فتكون هناك ثلاث مناطق (جنوبية، وسطى، شمالية)، غير أن الأمر اللافت للانتباه هو أن الباحثين أكدا أن تحقيق الأمر يتطلب وجود حرب طائفية في العراق.
* في 28 / 09 / 2013: نشرت روبن رايت"Robin Wright" المحللة بـ "وزارة الخارجية الأمريكية" الخريطة المثيرة للجدل عن تقسيم جديد للشرق الأوسط على أساس طائفي تتكون فيه دولة سنية من وسط العراق إلى شرق سوريا، وإلغاء الحدود الحالية بينهما، وإقامة دولة كردية كذلك في شمال العراق وسوريا، وكذا تقسيم اليمن، وليبيا، والسعودية. [ يراجع بالتفصيل مقال: الشرق الأوسط الجديد.. الشرح بالخرائط ].
* في 13 / 08 / 2015: صرح قائد الجيش الأميركي الجنرال ريموند أوديرنو بأن التقسيم قد يكون الحل الوحيد لمستقبل العراق، نظرا لصعوبة إنجاز مصالحة بين السنة والشيعة بحسب رأيه. وأضاف في مؤتمر صحفي في مقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن التقسيم مسألة يعود البت فيها للمنطقة وللساسة والدبلوماسيين، وأنها أمر محتمل الحدوث. ووصف أوديرنو التقسيم بأنه قد يكون الحل الوحيد، مشيرا إلى أن المصالحة بين السنة والشيعة (تزداد صعوبة يوما بعد يوم) ". [ موقع الجزيرة]
* في 28 / 10 / 2015: قال مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه - في مؤتمر بشأن الاستخبارات - "أن الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة"، معتبرا أن دولا مثل العراق أو سوريا لن تستعيد أبدا حدودها السابقة. وقال إن سوريا مقسمة على الأرض، النظام لا يسيطر إلا على جزء صغير من البلد الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، الشمال يسيطر عليه الأكراد، والوسط يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية. وأضاف أن الأمر نفسه ينطبق على العراق، مستبعدا أن تكون هناك إمكانية للعودة إلى الوضع السابق. وأعرب باجوليه عن ثقته بأن المنطقة ستستقر مجددا في المستقبل، ولكن في مطلق الأحوال ستكون مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية.[موقع الجزيرة]
* في 26 / 11 / 2015: دعا جون بولتون - من المحافظين الجدد وأحد صقور إدارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش بوش - الى تشكيل دولة جديدة تضم شمال شرق سوريا وغرب العراق وتكون سنية مستقلة بديلة عن الدولة الاسلامية. وأوضح بولتون أنه في ظل هذه المعطيات، إذا كان القضاء على الدولة الاسلامية تعني إعادة بشار الأسد إلى حكم سوريا، ودعم ممثلي إيران في العراق، فالنتائج لن تكون مرضية و لا ممكنة. فبدلا من محاولات إعادة تشكيل المنطقة إلى خارطة ما بعد الحرب العالمية الأولى، على واشنطن أن تتعرف على الجغرافيا الحديثة للمنطقة. و البديل الأفضل للدولة الاسلامية في كلٍ من شمال شرق سوريا و غرب العراق، هو دولة سنية مستقلة.
وقال إن هذه الدولة "سُنّستان" ستكون ذات ثقل اقتصادي كدولة منتجة للنفط، (وهو أمر ستتم مناقشته من الاكراد بالتأكيد)، كما انها ستكون حصنا ضد كلا من نظام الاسد في دمشق و بغداد الموالية لإيران. بالإضافة إلى أنها ستستحق دعم دول الخليج. وعلى على الممالك العربية، كالمملكة العربية السعودية، أن لا يدعموا هذه الدولة في بداياتها فحسب، بل عليهم أن يساهموا في تأكيد استقرار هذه الدولة للتصدي للقوى الراديكالية. فكما أردنا أن نعلن محمية أردنية بغطاء امريكي ذات مرة، فإن الدولة الجديدة يمكنها أن تحقق ذلك. لأجل ذلك، على أمريكا أن تسعى للهدف الأبعد بقيام دولة سنية بعد القضاء على الدولة الاسلامية. فعلى الرغم من صعوبة تحقيق ذلك في المستقبل القريب، إلا أنها وبمرور الوقت، ستفضي الى ترتيب و استقرار المنطقة. [مقال: للقضاء على داعش .. اخلقوا دولة سنية بين العراق وسوريا، مقال مترجم "نشر على النيويورك تايمز]
* في 27 / 11/ 2015: قالت حنان الفتلاوي - رئيسة كتلة "إرادة" البرلمانية العراقية - "إن المعلومات التي لدي ومن داخل الاجتماع الذي جمع جون ماكين - رئيس لجنة القوات المسلحة، عضو مجلس الشيوخ - مع رئيس الوزراء بتاريخ 27/11 في قيادة العمليات المشتركة وبحضور وزير الدفاع ومعاون رئيس أركان الجيش وممثلي الأجهزة الأمنية أنه أبلغ العبادي بأن القوات التي ستدخل العراق لتحرير المحافظات الغربية عددها سيكون مئة ألف" وأشارت إلى أن "العبادي كان منزعجا لكن ماكين أبلغه أن القرار صدر وانتهى". وقد صرح عضوا الكونغرس الأمريكي جون ماكين وليندسي غراهام في تعليق للصحفيين خلال زيارة لبغداد مؤخرا أن نشاط العسكريين الأمريكيين المزمع إرسالهم إلى العراق سيقتصر على تقديم الدعم اللوجستي والمخابراتي "لقوة مقترحة قوامها 100 ألف فرد من دول عربية سنية مثل مصر وتركيا والسعودية"، ستتوجه إلى العراق وسوريا في إطار قتال "داعش".
* في 29 / 11/ 2015: وفي سؤال لمذيع سي بي اس الأمريكية لـ جون ماكين وليندسي غراهام - حيث كانا في بغداد حينها - عن الاستراتيجية القادمة، فكانت الإجابة: هي مواجهة الدولة الإسلامية برياً، والعمل على رحيل الأسد، والسعي لإيجاد منطقة حظر للطيران لمنع تدفق اللاجئين، وفي سؤال المذيع: هل سيتحمل الشعب الأمريكي كلفة الحرب البرية ؟ فقال غراهام: "الخبر السار أن 90 % من هذه القوات سيأتي من المنطقة العربية، و 10 % من القوات الغربية ( القوات التي نتحدث عنها، ستتشكل من الجيوش الإقليمية.. هناك جيوش إقليمية كبيرة "المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا" لديهم جيوش إقليمية، سيذهبون إلى الحرب إذا وضعنا الأسد على الطاولة، لذلك.. سيتم معظم القتال بجيوش المنطقة. سيسددون فاتورة هذه الحرب، "السيطرة ستتم من خلال الدول العربية السنية، ثم سنلتفت إلى الأسد ونقول له يجب أن ترحل"، روسيا وإيران سيكونا بالخارج ينظران إلى جيش إقليمي كامل يضم تركيا وعناصر غربية وسينهارون" [ سي بي اس، https://www.youtube.com/watch?v=TdAARrIq-Z8]
* في 30 / 11 / 2015: تسأل مذيعة السي إن إن السيناتور ليندزي غراهام حول موضوع عرض ملك السعودية استخدام جيش بلاده ضد داعش، فقالت: هل لديك ما يوحي بأن مصر وتركيا والسعودية سيكونون على استعداد لإرسال قوة كهذه إلى سوريا؟
الإجابة: بقيادة أمريكية، نعم. كنا نتحدث مع الملك السعودي الحالي، قبل أن يصبح ملكاً، وقال للسيناتور جون ماكين وهو معجب به بشكل كبير، أن بإمكانكم الاستعانة بجيشنا، وما عليكم إلا التعامل مع الأسد. وقال أمير قطر إنه سيدفع قيمة العملية. لكنهم لن يقاتلوا داعش ويدعون دمشق تسقط في أيدي الإيرانيين. على الأسد أن يرحل. كل ما يمكنني قوله للأمريكيين هو أن لدينا هدفان متشابهان مع العرب وتركيا، تدمير داعش فهو تهديد مشترك لنا جميعاً، وإضعاف إيران وهي تهديد عظيم للمنطقة والعالم. ومن الممكن تشكيل هذا التحالف بقيادة أمريكية. سياساتنا الخارجية في انحدار. لن يتبعنا أحد قبل أن نغير استراتيجيتنا". [سي إن إن ]
* في 04 / 12 / 2015: وافقت روسيا على أن تقوم واشنطن بمفاوضات مع مصر لإرسال 20 الف جندي مصري إلى سوريا لمقاتلة تنظيم داعش مقابل ان يقدم الاتحاد الاوروبي واميركا 3 مليارات دولار لمصر [الديار اللبنانية]
* في 15 / 12 / 2015: أعلنت الرياض عن "الحلف الإسلامي العسكري" بقيادة جون ماكين - واحد من أهم القيادات الصهيو صليبية لأمريكا.
* في 15 / 12 / 2015: أعلنت الرياض رشوة ضخمة لدخول مصر التحالف الذي يضم تركيا وقطر - خصما نظام السيسي - فكانت: ( استثمارات بقيمة 8 مليار دولار، توفير احتياجات مصر من البترول لخمس سنوات، دعم حركة النقل في قناة السويس من قِبل السفن السعودية ). [واس]
بهذا السياق وهذه الأحداث لا يسأل أحد عن: هل للحلف دور في محاربة نظام الأسد النصيري العلوي الذي قتل ما يقرب من 300 ألف مسلم، وشرد الملايين ؟! أو هل الحلف المكون من 34 دولة إسلامية سيمر على ما يُسمى دولة إسرائيل ليحرر الأقصى، أو على الأقل ينقذ المسلمين هناك ؟!
والجواب: لا، فالحلف سيساهم - بصورة مباشرة أو غير مباشرة - في تكوين الدولة العلوية "علوي ستان" على الساحل السوري، فأفعاله هو وحزب الله والحشد الشعبي لا تُسمى إرهاباً، فالإرهاب حصراً فقط للسنة !! وشخص الأسد أن يرحل أو لا ليس هو المشكلة.. المشكلة في الطائفة النصيرية صنيعة الاحتلال الفرنسي. وسيحمي الحلف إسرائيل كذلك - كما حمها من قبل باتفاقية سايكس بيكو - بدولة ربما تكون للدروز، وإضعاف ما هو ضعيف، وتقسيم ما هو مُقسم، وتفتيت ما هو مُفتت.
هذا الحلف هدفه تحقيق خريطة تقسيم الشرق الأوسط على ما قدمته "روبن رايت" تماماً مثلما خدع الإنجليز العرب في ثورتهم المزعومة ضد الدولة العثمانية، وقاموا بقتل أنفسهم وتخريب ديارهم تماماً كما فعل يهود من قبل.. وها هو الزمان يدور دورته لنُعيد مشهد التقسيم هذه المرة على أساس طائفي، ليكون مزيد من التفتيت والتناحر والعمالة للغرب، وليكون أشد من التقسيم على أساس قومي كما كان تقسيم سايكس بيكو، ولتكون عوامل تفجير المجتمعات من الداخل جاهزة في أي وقت، ومحاصرة الدول بعضها البعض بحكم العداء الطائفي.. حماية ذاتية للغرب أن تقوم للأمة قائمة بعد ذلك.
سارع الأزهر وهيئة كبار العلماء بمباركة الحلف الإسلامي العسكري - الذي جاء تنفيذا لقرارات جون ماكين - فهو الآن يحمل لقب "إسلامي" في مواجهة "إرهاب" إسلامي.. فالمعركة - كما يزعمون - ليست مع الإسلام إنما مع "الإرهاب"..
وستخرج لحى النفاق والدجل والدروشة السياسية لتصدع رؤوس المسلمين بهذا الحلف المبارك، وستتشنج في الدعاء الخاشع لهم وهم يقتلون غيرهم من المسلمين تنفيذاً لمخططات التقسيم !.
* * *
الفكر الاستراتيجي لـ "الدولة الإسلامية" يقوم على فكرة النبوءات.. وهو فكر خاطئ تماماً، فهي تحسب حاسباتها - فيما أرى - كالتالي:
- القصف الجوي لن يحسم المعركة.
- الغرب سيأتي بالخراف التابعة له لتخوض المعركة بدلاً عنه.
- تُذبح الخراف، فيضطر الغرب لينزل دابق، وتنعقد الألوية، وتكون الملحمة.
ومتى يدخل فكرة النبوءات - سواء أكانت صحيحة أو ضعيفة - في الفكر السياسي الإسلامي إلا وفشل، فالمسلم يخطط على أساس "سنن عالم الشهادة" أما ما يقع في الغيب فهو لا ينتظره، ولا يتكلفه، ولا يشهد لنفسه أن صاحب هذا الغيب، أو هو قدر الله.
وأخشى أن تغفل الدولة الإسلامية عن مسألة تقسيم المنطقة على أساس طائفي، لا سيما وأن وجودها الحالي بين العراق وسوريا هو بالضبط ما قالت عنه "روبن رايت" عام 2013م، وهو بالضبط المرسوم على خريطة الشرق الأوسط الجديدة".. وأخشى كذلك أن يستغفلها قيادات حزب البعث - التي تدعي التوبة والصلاح - لتكون هي الوريث الوحيد لها؛ ويتحول "البعث القومي" إلى "البعث السُني".
* * *
موضوعات ذات صلة:
* * *
تعليقات
إرسال تعليق