الفوضى الفكرية !
سنظل في هذه الحالة من الفوضى الفكرية، والفقهية، والواقعية؛ حتى يتكون لنا "هيئة من العلماء الربانيين" و"مجموعة من إدارة الأزمات" جمعوا بين علوم الوحي، وعلوم الواقع بلا تناقض ولا افتراق.. هيئة نرجع إليها في نوازل الأمة، ونخضع لقولها، ونستسلم له بلا كبر أو جهل أو تعنت أو غل.
بحاجة إلى علماء:
(1) لا يخافون في الله لومة لائم.
(2) لا يأكلون الخبز بعلمهم أو دينهم.
(3) قلوبهم خالية من تعصبات الجاهلية وأدرانها.
(4) متكتلة في هيئة جامعة تبذل للأمة العلم والبيان وفصل الخطاب.
(5) تدفع بالكفاءات والقدرات بكل الحب والرحمة والتعاون لا الحسد والبغض والغل؛ الذي يحلق الدين.
أما دون ذلك فهو "اعجب كل ذي رأي برأيه" وفوضى في الفكر والعلم والثقافة؛ ينتهي معها الإنسان إلى التيه أو التعصب وفي النهاية تكون النتيجة .. لا شيء !!
وبهذا ينزل الجهال، وطلاب العلم، وأنصاف طلاب العلم، والمثقفين، وأنصاف المثقفين.. على تلك الهيئة "الراسخة" في العلم، المستوعبة لكل ما يحدث حولها، المُلمة بكل علوم الوحي.. فيكون هذا "الرسوخ" في العلم هو المعيار الذي ينزل عليه الجميع، ويستسلم له الجميع.
أما أن يكون لكل قارئ "رأي" ولكل كاتب "مقالة" ولكل لسان "حديث" في نوازل الأمة؛ فهذه هي المصيبة التي تُهلكنا من داخلنا !
إن الرسوخ في العلم، ليس هو نقل عن شيخ جليل أو عالم مشهور، واختيار الكلمات التي تشاء مما قال وكتب، ثم تنزلها على واقعك هكذا.. هذا - بالأساس - ليس علماً.
بل إن الرسوخ في العلم، ليس هو قول شيخ أو عاِلم مهما بلغ من العلم ! لأنه لن يستطيع الإحاطة بالواقع المعقد والمتشابك من حوله، أو تحصيل كل علوم الوحي تفصيلاً.. لذا فالرسوخ في العلم يأتي من تكتل كل العلماء في تخصصاتهم، حتى يكتمل "التصور الصحيح" تجاه نوازل الأمة ومشكلاتها وقضاياها المصيرية.
وعندها تصبح للكلمة "قيمة" ولها واقع، وعموماً فالكلمة هنا أمانة عظيمة، يترتب عليها مستقبل أجيال، وثروات أمة، وأموال، ودماء، وأعراض. أمانة عظيمة تنوء بحملها الجبال. فكيف نتجرأ أن نكتب بما لا نعرف. وتتعدد الأقوال والفتاوى والتحليلات.. وتقف الأمة حائرة تائهة لا تدري ماذا تختار؟ ولا ماذا تفعل؟ إضافة إلى أن العدو بالأساس لا يغفل عنها، ويضربها من كل طريق !
لذا فإن "وجود مثل هذه الهيئة الجامعة، ستكون خطوة أولى يجب أن نحققها، ونمتثل لها، ويكون لديها من العلم والرسوخ فيه ما "يِجُب" وينسخ كل قول ناقص، وأقوال شاذة، وفتاوى متناقضة ! ولديها كذلك من المعلومات الدقيقة الجامعة، وآليات الفهم ما يُعنها على فهم الواقع بدقة.
إن الإنسان عندما يمرض يذهب إلى الطبيب، وعندما يكون المرض خطيراً فإنه يحتاج إلى مجموعة من الاستشاريين وأصحاب التخصصات الدقيقة التي تتكاتف وتتوافق وتتألف أعمالهم. فإذا كان هذا هو الحال مع مرض واحد لإنسان واحد، أ فيكون الحال مع أمة متوفاة وأمراضها مزمنة هو الفوضى والارتجالية والعبثية وإعجاب كل ذي رأي برأيه ؟!!
المشكلة أن الفوضى الإعلامية، والفضاء الإعلامي والإلكتروني المفتوح عقد الأمور أكثر وأكثر، بل وأصبح "المُحلل، والخبير، والكاتب، والمفكر" وظيفة و"سبوبة" وأكل عيش يتقاضى صاحبها في اللقاء الواحد آلاف الجنيهات حسب "نجوميته" وهذه كارثة "علمية" على الأمة.. فالأمة ليس لها "مرجعية حقيقية" يمكنها الامتثال لها، والثقة في علمها ونزاهتها، والخضوع لتوجيهاتها حتى ولو كانت على غير هوى البعض !
والأمة التي بلا مرجعية أمة ضائعة، تائهة، مشتتة الفكر، ومضيعة للجهود ! بل إن عدم وجود هذه المرجعية تجعل الجهود متناقضة، ويجعلها تحارب بعضها بعضاً من الداخل ! أي: عملية تدمير ذاتي !
وعدو الأمة لا يغفل عن ذلك، بل يُعمق الفجوات، والاختلافات، وينشر الفتن؛ ليزداد التفتت والفرقة والاختلاف.. وتظل الأمة هكذا، لا تعرف الطريق، ولا تهدي إلى سبيل.
فهل سننجح في القضاء على هذه الفوضى بوجود "هيئة علماء"، أم يَحُول "البغض" و"الحسد" و"البغي" دون ذلك ؟!
قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ" [ جامع الترمذي/ 2447]
وقال تعالى: { وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } [الشورى : 14]
تعليقات
إرسال تعليق