الإسلام ومشكلاتنا السياسية

هل الإسلام قادر على حل مشكلاتنا السياسية ؟ هل الإسلام له علاقة بنظامنا الاقتصادي والاجتماعي ؟
عقائد:
"أنا بحب ربنا، بس مش بصلي".
"أنا بحب ربنا، وبحب الإسلام.. بس مش عارفة ألبس الحجاب" بحس إني غريبة في وسط أصحابي".
"أنا الصراحة بشوف المتدينين ناس مريضة نفسياً، وصحابي اللي مش متدينين أحسن منهم بكتير".
"أنا على فكرة بحاول أصلي، وبحافظ على الصلوات في رمضان.. بس ساعات بكسل".
"أنا متدينة وبصلي بانتظام وبألبس الحجاب، وبحاول أكون استيل برده يعني مش مشكلة".
"أنا مش بصلي ولا حاجة بس قلبي أبيض، وربنا رب قلوب وأهم حاجة القلب".
"الدين أساساً علاقة مع ربنا، ومش من حق أي حد يسأل عنها، أو يتدخل فيها".
"أنا شايف إن الإسلام دين عظيم، بس ملوش علاقة بالسياسة.. تقريباً في حديث مش متأكد منه فيما معناه بيقول: أنتم أعلم بأمور دنياكم.
"أنا الصراحة مش عارف المتدينين دول عايزين إيه.. لو عايزين الحكم يقولوا وبلاش سكة الدين والضحك على الناس دي، أنا حاسس إنهم بيستغلوا الدين علشان يوصلوا للحكم".
"أنا بشوف الصراع بتاع الأحزاب والانتخابات سواء أكانت إسلامية أو علمانية - مش عارف علمانية دي كلمة وحشة ولا لأ - بس المهم إنه صراع سياسي ملوش علاقة بالدين".
... إلخ.
عقائد أخرى:
"الإسلام دين ودولة.. بس في خطاب دعوي وخطاب سياسي".
"الشريعة طبعاً حاجة مهمة بس لازم يكون عندنا مؤسسات قوية علشان نعرف نطبق".
"أهم حاجة الناس تقتنع بالشريعة، ويعرفوها.. وطبعاً إقامة العدل يعني برده الشريعة".
"إحنا من خلال الحزب بتاعنا هو حزب ديمقراطي بس بمرجعية إسلامية! نحاول نوصل للبرلمان.. ومن خلاله يتم الإصلاح".
"لا بد للعمل من جماعة، وجماعتنا أحسن جماعة".
... إلخ.
ما سبق هو أكثر المعتقدات التي تموج في عقول الشعوب الإسلامية! في النموذج الأول: وهذا ما يمثل عامة الناس والأغلبية العظمى. والنموذج الثاني: هو ما تسمي نفسها حركات الإسلام السياسي. ولعل ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هو أنني وأثناء مناقشتي عن الإسلام لطوائف مختلفة من الناس أغلبهم متدين ويحب دينه.. اكتشفت أن أغلبهم - رغم تدينهم ! - ساقط الوعي بدور الإسلام في قيام الحياة البشرية، فهو مختزل عند الملتزم في الحفاظ على الصلاة، والحجاب. وفي غير الملتزم احترام الإسلام وشعائره كديانة فقط لا غير !! ولعل سقوط هذا الوعي، ووجود مثل هذه النماذج يختصر حالة الأمة الغثائية، ويختزل كل كوارثها ومشكلاتها !
ولمَ لا ؟ والعدو الاستعماري الصليبي حرص على اختزال الإسلام في أقصى صورة ممكنة، هي الشعائر والعبادات، ثم يَحول بين الناس وبين تلك الشعائر، فلا يؤديها إلا الكبار والعجزة.. ويبقى الإسلام صورة متغيرة ومتنوعة حسب مزاج كل شخص.
ولهذا تظهر مثل تلك الأسئلة: هل الإسلام له علاقة بمشكلاتنا السياسية.. فضلاً عن أن يكون له القدرة على حلها ؟ وإن مجرد ظهور هذا النوع من الأسئلة لدليل كافي على الحالة المنحطة التي وصل إليها وعي الناس بالإسلام.
فما هو الإسلام ؟
الإسلام ليس هو ديانة في مقابل الأديان الأخرى، ليس هو خانة في بطاقة الهوية بجوار السن والعنوان ! بل هو دين أي منهج حياة، وكل منهج حياة هو دين.
الإسلام هو رسالة من الله لبني البشر لتستقيم به حياتهم بكل مناشطها ومجالاتها سواء أكانت سياسية، اقتصادية، اجتماعية... إلخ.
الإسلام هو اعتقاد في الله سبحانه ينشأ عنه التصورات والقيم والموازين والأخلاق والشعور والأدب والفكر والثقافة والفن.
الإسلام هو تعريف وتصور عن الله والكون والإنسان والحياة.. وينبثق عن هذا التصور نظام اجتماعي ينطلق لخلافة الأرض وفق هذا التصور.
الإسلام هو شريعة ربانية نزلت لتُقوم حياة البشر، ليقوم الناس بالقسط والعدل والحق الرباني.
الإسلام هو رسالة السلام العالمية التي يحملها للجنس البشري.
الإسلام هو رسالة الرحمة والنجاة في الدنيا والآخرة.
الإسلام هو رسالة الحب للإنسانية بإرشادها لصراط الله المستقيم، فيحمل البشرى والنذير.
إن الإسلام ليس له القدرة فقط على معالجة مشكلاتنا السياسية فحسب، بل هو بناء كامل متكامل لا يعالج مشكلة سياسية بمعزل عن المشكلات الأخرى، إنما هو بربانيته وشموليته وإيجابيته ومثاليته وواقعيته وتوازنه يعالج "الحالة الإنسانية" ككل ويدخل عليها من جوانبها المادية متكاملة، والروحية متناسقة.. فلا يدعه إلا وهو مستقيم المنهج، قوي الأركان، متوازن الخطى، مطمئن النفس، مستريح الضمير.. إنه لا يعالج مشكلة سياسية فيُحدث كارثة اقتصادية، أو يعالج مشكلة اجتماعية فيُحدث كارثة سياسية، إنه يتحرك ككل متكامل لمعالجة الإنسان أينما كان، وكيف كان؟ ويرتقي ليصعد به على قد ما يستطيع ذلك الإنسان.
إذن هو منهج، ومنهج عميق جداً يلمس أعماق الإنسان، ويصل لأعماق الحياة بكل حيويتها ومشكلاتها.. هو منهج للإنسان والحياة، منهج للإنسان يدخل على نفسه ليأخذها من كل أقطارها نحو السماء، فيرتقي بالروح، ويضبط حركة الجسد. إنه يتناغم مع روح الإنسان، ولا يصطدم بفطرته وطبيعته، وينشأ في النفس والعقل والقلب القيم الصحيحة، والموازين الدقيقة، ويُقيم قاعدة من الأخلاق على أساس من العقيدة ذات العروة الوثقى. وهو منهج للحياة يعالجها من كل جوانبها، ولا يعالج جانب ويغفل آخر فيختل التوازن الحياتي.. إنه يقرر ما هو الحق، وما هي الحقيقة. ويحدد ما هو الباطل، ولا يدع ذلك لأهواء البشر.
فتتناغم العقيدة مع العبادة في حركة من أجل إقامة الشريعة لخلافة الإنسان وقيام الحضارة الربانية.
كم منا تربى على هذا المعنى؟! كم مؤسسة أو جامعة أو كلية أو مدرسة علّمت أبناء المسلمين هذا الدين ؟!
لتعرف عمق الأزمة المنهجية التي نحن فيها، أخبرك - ولك ألا تصدق - أنني وجدت في مهبط الوحي في جزيرة العرب يتعلم الأطفال - في المدارس الخاصة - الإسلام باللغة الإنجليزية.!!!
من المسؤول عن حمل رسالة الإسلام بهذا المعنى، انظر إلى تصرفات أصحاب "الإسلام السياسي"؟
لا يُوجد في الإسلام شيء اسمه إسلام سياسي أو ديمقراطي أو اقتصادي أو اجتماعي... إلخ، وإن فهم الإسلام على أنه ليس ديانة إنما هو منهج حياة؛ يُبطل تلك المسميات، فالإسلام هو الإسلام لا يُضاف إليه تقسيمات أو أوصاف أخرى.
وإن كل مسلم يشهد شهادة التوحيد هو المسؤول عن حمل رسالة الإسلام العالمية، المسلم إنسان رسالي عالمي، يحمل أغلى ما في الوجود، وأثمن من ملء الأرض ذهباً، يحمل منهج الله للبشرية..
فهل ندرك العالمية التي تحملها رسالة الإسلام ؟ نحن الأمة الشاهدة والمعلمة، والتي عليها أن تخرج البشرية من مستنقعات التيه ووحل الظلام.
هل ندرك تلك العزة والاستعلاء بالإيمان ؟ هل ندرك الأمانة التي وضعها الله - تعالى - في أيدينا ؟ هل نعرف لماذا أُخرجنا للناس ؟
عندما نعرف الإجابة سيَحل الإسلام ليس فقط مشكلاتنا السياسية، بل كل مشكلات حياتنا، ومشكلاتنا النفسية.. وسيكون رحمة للبشرية كلها.
{ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [الأنبياء : 10]

كُتب في 27 / 02 / 1435 هــ 30 / 12 / 2013 م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

منهجية البحث عند سيد قطب

هل كان النبي سباباً؟!

معالم الشخصية الحزبية