جذور المشكلة.. ما الحل؟

بعد خروج الإخوان من سجون الهالك عبد الناصر، وبدأت فترة حكم السادات.. ساد الفكر "البراغماتي- المصلحي" الجماعة وصار هو المتحكم في قراراتها السياسية واختياراتها الواقعية، وانحرفت عن منهج رائد الحركة الإسلامية ومرشدها الأول الشيخ حسن البنا - رحمه الله - كان لهذا التحول أثر كبير على مسيرة الحركة الإسلامية كلها، فمنذ هذه الفترة أعلنت الجماعة وسيلتها وغايتها وهدفها:
الوسيلة: الديمقراطية، وصندوق الاقتراع، والانتخابات.
الغاية: البرلمان، وحلم الوصول إلى الحكم.
الهدف: إصلاح الحياة السياسية والاقتصادية، وفق أساس هوية الدولة العلمانية.
أي أنه - باختصار - فكر وتصور (ديمقراطي - إصلاحي) وهذا ما تحمله جماعة الإخوان المسلمون من فكر حتى كتابة هذه السطور !
وأما الموقف من (الحكام) ومن (الشريعة) فهو موقف غامض متميع لا أثر ولا قيمة له. فلا مساس بالحكام، والحديث عن الشريعة حديث مختزل يُستخدم في الخطاب الدعوي فقط، وليس له أدنى علاقة بالخطاب السياسي للجماعة.
اعتبرت الجماعة الحديث عن الحاكم والحكم بغير من أنزل الله، تعني - ببساطة! - قضية التكفير التي تتبرأ منها الجماعة في كل مناسبة بداعي وبدون داعي، وهكذا تحولت قضية العقيدة الأولى والأصلية إلى "قضية تكفير"!! وبهذا أعلنت موقفها أو براءتها بمعنى أدق من فكر الشيخ حسن البنا وسيد قطب في كتابهم ( دعاة لا قضاة ) ومنذ ذلك الحين انتهى أي حديث عن حكم الطواغيت أو إقامة الدين وتحكيم الشرع كلغة حركية سياسية تمثل الخبز اليومي للجماعة أو للإنسان المسلم عموماً.
(هذه مشكلة لن يستقيم موقف دون حلها) !!
فالجماعة تعتبر الحاكم والجيش والشرطة مسلمون! وعليه فإن غاية جهدها هي محاولة الإصلاح، والمنازلة الديمقراطية للوصول إلى كرسي الحكم؛ حتى تستطيع تقديم رؤيتها للإصلاح. وإنه لمن العجيب أن يكون هذا هو نفس اعتقاد "حزب النور" الذي تلعنه الجماعة في كل مناسبة - وهو يستحق أكثر من ذلك - لكن حزب النور ودعوته يقول أنه مُتسق مع نفسه، فبما أن الحاكم مسلم، فله حقوق المسلمين، ولا يجب منازعته في الحكم! أما الإخوان فتدعي أنه مسلم لكن تنازله وتقارعه على استحقاقات سياسية؛ إذن هي "معركة سياسية" ليس للإسلام منها نصيب.. وكلنا يبحث عن مصالحه!!
أدت هذه الإشكالية إلى كوراث كبرى تعاني منها الأمة الآن، وستظل تعاني حتى يتم علاج هذه المشكلة عميقة الجذور في نفوس أعضاء الجماعة، وفي تركيبتها البنيوية.
تصور الجماعة (الديمقراطي - الإصلاحي) جعلها:
- تشارك في نظام حكم مبارك، ولم تجد عضاضة في ذلك.
- تشارك في مفاوضات على انتفاضة 25 يناير الفاشلة بكل المقاييس.
- تشارك في مسرحية هزلية في انتخابات البرلمان والرئاسة.
- ثم حدث الانقلاب، ومن بعده السيناريو الأسود الذي تعاني منه الأمة الآن.
ثمة شيء بديهي غائب ألا وهو [ حقيقة الصراع - طبيعة المعركة - استحقاقات شهادة التوحيد وقيام دين الله وشرعه في الأرض ] وهذا الشيء الغائب هو ما تصطدم به الجماعة في كل صراعتها، والتي دوماً ما تنتهي بفشلها !!
هذا الفكر (الديمقراطي - الإصلاحي ) يستحيل معه استحالة تامة أن يُحدث أي عملية تغيير حقيقية في قضايا الأمة المصيرية، لأنه فكر يعمل داخل إطار الدولة بهويتها العلمانية! ولما حدث الانقلاب الذي يُعد صفعة على وجه الجماعة، وإعلان إفلاس كامل وتام لمنهجها في التغيير، لم تغير الجماعة فكرها، ولم تراجع حساباتها!! بل ظلت على نفس الفكر (الديمقراطي الإصلاحي) ولذا اعتمدت في مواجهة الانقلاب:
- السلمية.
- الاعتصامات.
- المسيرات والمظاهرات.
- البحث عن التأييد الدولي.
ثم انتهت هذه الوسائل بمنظومتها الفكرية إلى حرق البشر أحياء، وقتل الرضع والأطفال والشيوخ، واغتصاب الحرائر، وحرق المصاحف، وهدم المساجد على من فيها. وضياع أعمار وأجيال وطاقات، وفرص قلما يجود الزمان بمثلها !!
كانت هذه الأحداث كفيلة بأن تستفيق الجماعة، وتفهم طبيعة الصراع، وحقيقة المعركة.. وأنها ليست معركة ديمقراطية إصلاحية، كما يحاولوا أن يوجهوا شباب الجماعة إلى ذلك.
لذا لم يكن عجباً أن تقول الجماعة على من قتل الأطفال الرضع، والناس وهم سجود، ومجازر وحشية لم يجرؤ مستعمر صليبي على أن يفعلها في مصر، قالت عنهم:
* إخواننا بغوا علينا.
* أهل الإيمان.
* بل ومن يُقتل من المجرمين - بعيداً عن ملابسات ذلك - تطلق عليه لفظ شهيد !!.
وتعاملت الجماعة الحالية مع المنهج والفكر الإسلامي بطريقة انتقائية اختيارية، لا طريقة اتباع وهذه كارثة أخرى !!
فأكبر كارثتين في التعامل مع "المنهج الإسلامي" وتجعل المنهج لا يهدي مرتكب هاتين الكارثتين إلى صراط الله المستقيم:
الكارثة الأولى: اقتطاع آيات من القرآن الكريم أو السيرة النبوية أو من حياة الصحابة، دون اعتبار السياق الذي جاءت فيه، والظروف السياسية والاجتماعية الحادثة وقتها، ودون اعتبار الغرض الرئيسي منها.. هذا الاقتطاع خارج السياق، وخارج الإطار الكلي للموضوع الخاص بها؛ للتدليل به على اختيار ما أو لإضفاء صبغة شرعية على أمر من الأساس "علماني" أو تم في سياق العلمانية؛ فإن هذا الفعل جريمة ترتقي إلى حد "تحريف الكلِم عن مواضعه".
الكارثة الثانية: هي اختيار أمر ما، والمضي في طريقه، دون التحاكم إلى المنهج الإسلامي كوحدة متكاملة شاملة، وبعد الاختيار وقطع مسافة من الطريق، بل وانتظار النتائج من وراء الاختيار ! تجد صاحبها يبحث عن "دليل" إسلامي يُخدّم به على اختياره، أو يبرر موقفه، أو يجذب به اتباعه !!
***
أحاطت الجماعة نفسها بمنظومة من المتناقضات؛ فهي من الناحية السياسية (ديمقراطية - إصلاحية في إطار علماني) ومن الناحية الدعوية ( تضحية وبذل وفداء ) ومن الناحية التنظيمية مؤسسة هرمية بيروقراطية تسلسلية يستحيل أن يطرأ عليها أي تغيير إلا من الرأس !!
ومشكلة التناقضات أنها تستنزف الطاقات والأعمار والأجيال، وتجعل عملية التغيير مسألة معقدة، لا سيما مع ضربات العدو المتتالية والمتتابعة والممنهجة والدقيقة.
ينتفض شباب الجماعة الذي يغلي من داخله ماذا نفعل، لماذا حدث هذا ؟
تأتي الإجابة سنمضي على طريق أردوغان - تركيا، ولسنا هنا بصدد الحديث عن هذه التجربة، لكن أردوغان نفسه قال: أنه حاكم علماني لدولة علمانية، ولتركيا خصوصية شديدة يستحيل أن تطبق على الحالة المصرية، ولو افترضنا أنه يمكننا استنساخ تجربة أردوغان.. فهل نريد حكماً علمانياً؟! وهل نحن بمعزل عن النظام الدولي الذي تخضع له مصر، ويهيمن عليها، وتستجدي منه مصر كل شيء، وفق هيمنة استعمارية دولية؟!
وإن الملكية العلمانية = العسكرية العلمانية = الديمقراطية العلمانية = الأحزاب العلمانية = الاشتراكية العلمانية = الرأسمالية العلمانية ( يتساون من حيث العمل داخل إطار الدولة العلماني، والخضوع والهيمنة والتبعية للمستعمر الأجنبي، ولن تدفع بالأمة شبراً واحداً للأمام الأمس واليوم وغداً) قد يختلفون في المذاهب والرؤى.. لكن دينهم واحد.
والإسلام - في طريق عودته - سيقتلع العلمانية من جذورها: سياسة واقتصاد واجتماع وفكر ومنهج وثقافة وأدب وفن.
وإن هذه الإجابة العاجزة لن تشفي صدور الشباب أمام حرب استئصال حقيقية تستهدف وجودهم من الأساس! ويظل السؤال قائماً ما العمل.. ماذا نفعل ؟! إننا نخسر كل شيء.
الحقيقة مجرد إثارة هذا السؤال يدل على خلل منهجي وفكري، فكل سؤال يتعلق بقضايا الأمة المصيرية يُفترض له أن تكون إجابته حاضرة سليمة ناصعة واضحة في الأذهان، ولنا خطط بديلة، وخطط تكتيكية، وخطط مرحلية، وخطط استراتيجية.. ففي أقسام إدارة الأزمات في الغرب لديهم متخصصين يقولون لهم: اكتبوا كل ما لا يمكن توقعه، حتى يخططوا على أساسه ويستعدوا لكل ما لا يُتوقع.
ولكن الشباب يثق في قيادات الجماعة، ويعتقد أنها تعد العدة لكل شيء، ثم يتفاجأ في النهاية أنه لا شيء تم الإعداد له، فقبل الانقلاب بشهر يُفترض أن تكون هناك خطط بديلة، ماذا لو وقع انقلاب؟ بعدها الاعتصامات.. ماذا لو حدث فض ؟ ما هي قدرات الشباب؟ ما هي قدرات العدو... إلخ؟ ماذا - لا قدر الله - مات الرئيس مرسي فك الله أسره؟ كل هذه الاحتمالات كان يُفترض أن تكون لها خطط بديلة، وليس حل وحيد هو المظاهرات والمسيرات والاعتصامات.
ولكن الفكر (الديمقراطي - الإصلاحي) لن يسعف الأمة في هذه الحالة الدقيقة والخطب الجلل، ولن يسعفها في غيرها كذلك، ولن تحصل على أي حقوق من خلاله، فكل المنظومة الفكرية للجماعة الحالية أفلست وفشلت بكل المقياس.
ولما قام (تحالف دعم الشرعية) جاء على نفس فكر الجماعة الحالي، بنفس الآليات والأدوات فوقعت الكوارث تترا، وأفلس هو الآخر، فهو متمسك بشرعية ديمقراطية دستورية داسها الجميع بالأقدام، ولم يستطع التوجيه الفكري والسياسي والشرعي والإعلامي للشباب الثائر! وحتى لا يتحول (تحالف دعم الشرعية) إلى صمام أمان لمنع قيام ثورة إسلامية وسيلتها الجهاد، وغايتها شرع الله. يجب أن يعلن "استراتيجية وخطاب سياسي إسلامي غير ملوث بالعلمانية" يُبين للشباب الوسيلة والهدف والغاية.
وعلى كل الشرفاء في هذا التحالف أن يبينوا ذلك، وإلا كانوا شركاء في تخدير الأمة.
فالتحالف يُصر على أن يأخذ الصراع شكله السياسي بطبيعته الأوربية، وأشكال مقاومتها، والله سبحانه يريد الصراع باسمه، وبمنهجه، ابتغاء مرضاته، وإن الظروف التاريخية والحضارية تجاوزت كل أشكال الصراع السياسي، وأصبحت معارك وجود على العقيدة، والهوية.
ويجب أن نخرج من مسألة "الانقلاب بشكله السياسي" إلى الصراع العقدي بين الإسلام والعلمانية. وأن نقول لعدونا إما أنت مسلم معصوم الدم والمال، وإما أنت من جند الطاغوت سنقاتلك بكل ما أوتينا من قوة حتى ترتفع راية الإسلام، ونبين لهم ما هو الشرع الذي يريد أن يحكم، والدين الذي يجب أن يعلو ويهيمن.
***
ما الحل بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين ؟
الحل ببساطة هو العودة إلى فكر المؤسس الأول للجماعة، والذي أنشأ هذا الجماعة بهذه الصورة التنظيمية ليكون لها غاية قال عنها:
"وفي الوقت الذي يكون فيه منكم - معشر الإخوان المسلمين - ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسياً روحياً بالإيمان والعقيدة، وفكرياً بالعلم والثقافة، وجسمياً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لحج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء. وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: { ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة }. إني أُقدر لذلك وقتاً ليس طويلاً بعد توفيق الله واستمداد معونته وتقديم إذنه ومشيئته" (رسالة المؤتمر الخامس – رسائل الإمام حسن البنا-181)
وأنا أعتقد أن الشيخ البنا - رحمه الله - بنى الجماعة على هذا الأساس التنظيمي القوي؛ لأنه أراد أن يجاهد بها كل عنيد جبار كما صرّح نصاً بذلك، ولما تخلّت الجماعة عن الجهاد.. أصبح البناء التنظيمي للجماعة غير ذات جدوى، وعبئاً على الحركة الإسلامية! وأصبحت الجماعة تتمحور حول ذاتها، وينعقد الولاء على التنظيم؛ مما تسبب في عقم الجماعة عن التغيير!
الشيخ حسن البنا أعلنها واضحة صريحة بسيطة سهلة لا تحتمل أي تأويل أو غموض أو هروب:
الهدف: إسقاط الطاغوت وكل عنيد جبار.
الوسيلة: الجهاد.
الغاية: إعلاء كلمة الله، وإقامة الدين، وتحكيم الشرع.
وكل من دعى إلى ديمقراطية من جماعة الإخوان، فهو منحرف عن فكر المؤسس، ومنحرف عن الغاية التي من أجلها أسس هذه الجماعة، والتي أرادها أن تكون روح تسري في قلب هذه الأمة فتحييها بالقرآن.
القيادة والشباب
القيادات الآن - فك الله أسرها - أفلست في كل شيء، ولم تعد بعد مؤهلة لشيء، فكل أطروحاتها التغييرية فشلت، وحتى ولو كانت نجحت جزئياً كان يجب أيضاً لفظها، فالهدف الأسمى ضاع بين كراسي البرلمان والنقابات. ويجب الخروج من عباءتهم، مع حبهم ونصرتهم واحترامهم، فليس هناك عداوة بل حب واحترام، ولكن نحن نتحدث عن منهج وغاية وطريق، ومصير أمة، ومستقبل أجيال، وخطر يحيط بالأمة من كل جانب.
شباب الجماعة فيه روح الانتفاضة والثورة، روح البراءة، روح الفطرة، روح الإسلام، روح الألم والحسرة على الأمة وعلى أجيالها. وهو يصرخ أين الطريق؟!
ولكن قرار الجماعة يأتي من أعلى، وكل رافض للقرارات مجرد متمرد.. إما أن يخرج أو يُطرد من الجماعة، وإما يبث شكواه إلى الله أو إلى بعض إخوانه.
وهذه هي الإشكالية الكبرى، وهذه مهمة شباب الجماعة في إحداث ثورة فكرية تطالب بتطبيق تعاليم الإمام بلا تأويل.. فالإمام لم يكتب كلاماً غير مفهوم يحتاج إلى تأويل. قال كل ما يريده بلغة سهلة بسيطة واضحة قاطعة يفهمها أي أحد.
يجب أن يتولى قيادة الجماعة ( شباب البنا ) ويعلن عن ثورة داخلية حقيقية تعود إلى المنهج الأول، وتُفعّل تعاليم المؤسس، وتستعد للجهاد في سبيل الله، فهو السبيل الوحيد ولا سبيل غيره.. إن للجماعة قدرات وطاقات هائلة جداً، وانتشار مجتمعي راقي، سيجعل طريق الجهاد ذات صورة مجتمعية وحربية في نفس الوقت، وتُحدث التوازن المطلوب في الجهاد.
لقد أرد حسن البنا أن يصنع ( أمة مجاهدة ) وليس "تنظيم مسلح" أمة مجاهدة لكل مسلم فيها دور، فهذه تدعو في جوف الليل، وهذه تتبرع بمالها، وهذا يبذل أنباءه، وهذا يقدم روحه، وهذا يخدم في مجال تخصصه، وهذا يقدم معلومة، وهذا يخطط ويرسم، وهذا يتحرك دولياً، وهذا يتحرك اجتماعياً... إلخ.
الجهاد: هو السبيل الوحيد لقيام دين الله في أرضه، هكذا عرّف الله دينه، وعرّف الطريق لقيام دينه.
الجهاد:ليس فتنة، بل هو الطريق الوحيد لمنع الفتنة كما قال الله تعالى.
الجهاد:ليس سيناريو أسود يقضي على الأخضر واليابس، بل هو طريق العزة والغنى والسيادة.
وليعلموا أن كل من يدعو إلى ( ديمقراطية - شرعية - سلمية - دستور... إلخ ) فهو منحرف عن منهج الله، ولو ظل آلاف السنين.. لن يقيم دين الله، أو حتى يحصل على أبسط حقوقه.
***
إننا نواجه الآن عدواً لن يرقب فينا إلاً ولا ذمة، وهو يستعلن (العداوة) والبغضاء، ويمضي في (القتل) ويُقر (الاستئصال والإبادة) لفصيل يحمل الإسلام ويدافع عن الأمة.. ويهدف إلى شريعة وسيادة.
من يدعو (بالسلمية) أمام هذا العدو الوحشي، فهو يقدم الناس للذبح بلا مقابل.
إن السلمية قد تجدي نفعاً مع من بقي فيه إنسانية أو كرامة، فيتحرك قلبه لرؤية دماء الأبرياء تسيل، يقول الدكتور البلتاجي - فك الله أسره - أنهم عندما كانوا على متن السفينة التركية لفك الحصار عن غزة، وبعد الهجوم عليها تقدم "الجنود اليهود" لمعالجة المصابين.. فما بالنا إذا كنا نواجه من هو أشد وحشية ومقتاً من اليهود!!
إن السلمية لن تجدي نفعاً مع من تحول إلى قطعة آدمية وحشية تتلذذ بالدماء والتعذيب وقتل الأبرياء.. بل واستئصالهم واقتلاع دينهم من الحياة في معركة وجود ومصير.
لقد قتل الانقلاب في الجزائر 150 ألف إنسان، وفي إندونيسيا ما يقرب من نصف مليون، وفي سوريا ما لا يعد ولا يُحصى، ولن ترهبهم - ومن ورائهم النظام الدولي - أي أرقام. وإن حقن الدماء وحفظ الدين من الإباحية والعلمانية يبدأ برد العدوان وإعلاء كلمة الإسلام.
و من واقع تاريخ الأمن المصري.. أنه قادر باحتراف على:
- سحق أي حركة سلمية مهما بلغ زخمها.
- سحق أي تنظيم مسلح مهما بلغت قدراته.
لكن ما لا يقدر عليه الأمن ولا أي جيش في العالم.. المقاومة الشعبية.
والحل: الجهاد الإسلامي الشعبي المسلح، يقطع الطريق على عبث السلمية، وعلى عبث التهور والاندفاع.
يقول سيد قطب - رحمه الله - : "إن الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين، ولم تلحق بهم في تاريخهم كله، إلا وهناك ثغرة في حقيقة الإيمان؛ إما في الشعور وإما في العمل - ومن الإيمان أخذ العدة وإعداد القوة في كل حين بنية الجهاد في سبيل الله وتحت هذه الراية وحدها مجردة من كل إضافة ومن كل شائبة - وبقدر هذه الثغرة تكون الهزيمة الوقتية؛ ثم يعود النصر للمؤمنين- حين يوجدون!
وليس بيننا وبين النصر في أي زمان وفي أي مكان، إلا أن نستكمل حقيقة الإيمان. ونستكمل مقتضيات هذه الحقيقة في حياتنا وواقعنا كذلك.. ومن حقيقة الإيمان أن نأخذ العدة ونستكمل القوة. ومن حقيقة الإيمان ألا نركن إلى الأعداء؛ وألا نطلب العزة إلا من الله.
إن قاعدة المعركة لقهر الباطل هي إنشاء الحق. وحين يوجد الحق بكل حقيقته وبكل قوته يتقرر مصير المعركة بينه وبين الباطل. مهما يكن هذا الباطل من الضخامة الظاهرية الخادعة للعيون." 
لا بد من الوقوف على بداية الطريق الصحيح الواضح القاطع لا غبش ولا لبس ولا تأويل ولا غموض.. راية الإسلام ولا راية غيرها، راية تفاصل العلمانية مفاصلة تامة بكل أدواتها (الديمقراطية - الشرعية - السلمية - الدستور.. إلخ) وتقاوم باسم الإسلام من أجل الله، بمنهج الله، من أجل رضى الله..
وتدخل مع العلمانية معركة الوجود وتعيد الإسلام بكل مكوناته (الشريعة - الجهاد - السيادة) ولن يقف للعلمانية ويسحقها سوى راية الإسلام الصافية، وسوى رجال لم تعرف سوى راية الإسلام، وأعدوا ما استطاعوا من قوة يسحقوا بها عدو الله وعدوهم.
وسنن الله لن تحابي أحداً، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت معركة عقيدة فهذا هو الطريق: ( راية الإسلام نقية لا تقبل إضافة أو شائبة - إعداد ما استطاعوا من قوة - استكمال السنن واستفراغ الوسع - التوكل على الله ودعاءه أن يجبر بقية الضعف ويجبر العجز - ثم تأتي معية الله ونصره ).
وإن كانت معركة حقوق ودفع الظلم فهذا هو الطريق: ( تحديد "المظلمة والحقوق" - التحاكم إلى شرع الله تعالى فيها - الانتصار للمظلوم، والأخذ على يد الظالم - إعداد ما استطاعوا من قوة - استكمال السنن واستفراغ الوسع - التوكل على الله ودعاءه أن يجبر بقية الضعف، ويجبر العجز - ثم تأتي معية الله ونصره ).
إخواني شباب جماعة الإخوان.. هذا هو الطريق:
1- عدم التناقض بين الخطاب الدعوي والسياسي.
2- ننبذ إلى مصر وأهلها وحكامها على سواء.
مثال لذلك: يقول التحالف: "كل ما دون الأرواح فهو مباح، وكل من دون الرصاص سلمية"!!
ويقول الله تعالى لنبيه: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ } [الأنفال : 58]
أي: وإن خفت -أيها الرسول- من قومٍ خيانة ظهرت بوادرها فألق إليهم عهدهم, كي يكون الطرفان مستويين في العلم بأنه لا عهد بعد اليوم. إن الله لا يحب الخائنين في عهودهم الناقضين للعهد والميثاق.
إننا حتى مع أعدى أعدائنا، لهم علينا واجبين: الدعوة إلى الإسلام، وأن ننبذ إليهم على سواء في العهود وفي بيان عصمة الدماء والأموال.
3- نعلن رفضنا للعلمانية بمكوناتها ( الديمقراطية - الشرعية - الدستور... إلخ ).
4- نعلن عن تخلينا عن أي مناصب سياسية.
5- نعلن الإسلام بمكوناته ( الشريعة - الجهاد - السيادة ).
ونبين للناس ماذا يعني تحكيم الشريعة، وكيف نتحاكم إليها، وكيف تتحرر الأمة.
6- تفعيل تعاليم المؤسس والمرشد الأول حسن البنا رحمه الله.
وأخيراًالأزمة والمشكلة ليست في قوة العدو، ولا بطشه، ولا مكره، فكل أولئك تكفل الله تعالى بدفعه عنا، طالما رفعنا رايته، واتبعنا منهجه، وأقمنا دينه، وحكمنا شرعه.. المشكلة فينا.. في وعينا وفي عقيدتنا. وما لم يستقم ميزان العقيدة في قلب إنسان، فلن يستقيم له فكر، ولا موقف، ولا حياة.
وفي هذه اللحظة الحرجة الفارقة من تاريخ الأمة.. فإن أي كيان أو فصيل أو عالِم لم يقدم رؤية شاملة ناجعة للتغيير والخروج بالأمة من محنتها الدائمة هذه؛ فقد كتب على نفسه الموت، واستحق لعنة التاريخ.
وإن إفلاس أطروحات الجماعة القائمة الآن، سيكون بداية للعودة إلى الطريق الصحيح - إن شاء الله - وللمنهج الذي أراده الله تعالى لقيام دينه، وبداية للتحولات الكبرى التي ستشهدها الأمة على طريق الخلافة الراشدة.
29/01/2014

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

منهجية البحث عند سيد قطب

هل كان النبي سباباً؟!

معالم الشخصية الحزبية