ماذا يعني تحكيم الشريعة 2؟

يحسب البعض أن المطالبة بتحكيم الشريعة هو: "أسلمة القوانين" أو تغيير بعض المظاهر الاجتماعية أو الدينية ! والحقيقة هذا التصور سطحي إلى حد ما ! سببه أن قضية الشرع والتحاكم إليه، هانت في نفوس الدعاة ! قبل عموم المسلمين.. وتتضاءل حجمها في حسهم.. حتى ظنوا أنه مجرد تغيير في نصوص القوانين أو الدساتير، ثم هانت أكثر فاعتبروها مجرد "مرجعية" يستأنس بها المُشرع الوضعي إن شاء، ثم هانت أكثر وأكثر فنبذوا الشرع بالكلية.. ثم يحسبون أنهم مسلمون!!
قضية الشريعة: هي قضية إسلام وإيمان وكفر.. من نبذها سواء من الحاكم أو المحكوم، ورضي وأراد غيرها.. فقد كفر !
ولقد سبق الحديث في معنى حاكمية الشريعة، في مقال: ماذا يعني تحكيم الشريعة1؟ وأحب في هذه السطور أن أضيف معناً هاماً قد يغيب حتى على ذهن من يطالب بتحكيم الشريعة !
منذ فترة ليست ببعيدة.. كان يُناقش في بريطانيا أحقية المسلمين الاحتكام إلى شريعتهم تحت إطار وهيمنة الدولة العلمانية، وطُرح أيضاً الاستفادة من التشريع الإسلامي في الاقتصاد؛ لتقليل الكوارث الاقتصادية التي يُحدثها الربا كل فترة.
وتأملت هذا الحال.. ماذا لو حدث في بلادنا المسلمة أن يطالب "بعض" المسلمين الاحتكام إلى قوانين شريعتهم تحت إطار وهيمنة الدولة العلمانية القومية !! فوجدت أنها ستكون كارثة كبرى، وفتنة عظيمة.. أن "تسمح" العلمانية.. لـ "بعض" المتدينين الاحتكام إلى شريعتهم، حتى ولو كانت هي شريعة الإسلام !
فالمقصود بالاحتكام إلى الشرع.. ليس هو مجرد أسلمة القوانين بل هو:
(1)  شرع الله: يَعلو، ولا يُعلى عليه.
(2)  شرع الله ودينه: يرد إليه الأمر "كله"، وليس "بعضه".
(3)  شرع الله: لا شريك له من قوانين وضعية أو أهواء بشر.
(4)  شرع الله: هو أساس انتساب المسلم، وأساس الاجتماع.
(5)  شرع الله: يرفض أي علمانية، ويخضع له الجميع بحد السيف.. وحرية المعتقد أيضاً بما يأذن به الشرع.
(6)  شرع الله: هو النظام ومنهج الحياة.. وليس هو مجرد رغبة بعض المتدينين.
(7)  شرع الله: شرع عالمي يجب أن تخضع له الأرض كلها.. فهي أرض الله، وهذا شرعه.
(8)  شرع الله: هو وحده الحق المطلق.. ولا دين سواه، ولن يقبل الله - سبحانه - سواه.
(9)  شرع الله: لا يقف على مسافة متساوية من كل الأديان.. فهو الحق وحده يَعلو ولا يُعلى عليه، ويقبل حرية الاعتقاد - لا حرية التشريع ونظم الحياة.
(10) شرع الله: يفرق بين البشر على أساس الدين.. يفرق بين الأب والابن على أساس الإسلام، لا على أساس القوم، أو اللغة، أو الجنس، أو تخوم الأرض.
(11) شرع الله: يسود من طريق واحد فقط لا غير.. هو الجهاد في سبيل الله لإقامة دين الله.. في "كل" أرض الله، وتحرير الإنسان.. "كل" الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
*  *  *
وأكبر جريمة ارتكبتها ما يُسمى "الحركة الإسلامية" في تاريخها هي عجزها عن بيان شرع الله أنه قضية إسلام، وإيمان وكفر.. وعجزها عن استعلان براءتها من الطاغوت..!! واعتبرت ذلك أنه ( غلو - توسع في التكفير - تطرف ) !!
وطرحت شبهات حول "الممارسة السياسية" تحت راية الطاغوت في مرحلة "الملك الجبري والطواغيت" منها: [ النجاشي، ويوسف عليه السلام، وصلاح الدين الأيوبي ] وتحرجت من تكفير الطواغيت بحجة "عوارض الأهلية" كـ "الإكراه والخوف" أو بحجة شبهات "التأويل"... إلخ؛ حتى تُحلل لنفسها "المشاركة الديمقراطية" داخل إطار الدولة العلمانية !! وقد سبق رد هذه الشبهات في العديد من الأبحاث.. [ أضع روابطها أسفل المقال ]
ودعونا نفترض - جدلاً - أن هناك حاكم مسلم سيأتي إلى الحكم عبر "آليات الديمقراطية، وصندوق الانتخاب" ونجح بالفعل في كبح جماح العلمانية، ومضى في إصلاحات اقتصادية... إلخ، بل ونجح في أسلمة بعض القوانين العلمانية والإباحية من خلال البرلمان، ثم انتهت فترة ولايته، ولكن أثناء مدة حكمه عمل الحزب المعارض له، ولفكره الإسلامي - حيث الديمقراطية لا بد أن تفرض حرية العلمانية - على تشويه وتقليل نجاحات الرئيس الإسلامي، وعمل الحزب العلماني المعارض على نشر قنوات فضائية متعددة تحبب الناس في العلمانية، وتمسح الآثار الإسلامية التي غرسها الرئيس الإسلامي.. وتم تكثيف انتشار العلمانية والإباحية عبر البرامج والحوارات، والأفلام والمسلسلات، والفن والمسرح، والسينما والأدب...إلخ..
وكون تحالفات عدة، لكن ينجح الحزب العلماني في دورة الانتخابات القادمة، ثم نجح الحزب العلماني.. ومحى كل ما فعله الرئيس الإسلامي بنفس طريقة "آليات الديمقراطية" فجعل القوانين أشد علمانية مما سبق، وأعمل الإباحية في كل شيء، وعمل إصلاحات اقتصادية أفضل من الرئيس الإسلامي، والناس سعيدة بالرئيس العلماني !!  - هذا بالطبع مع غض النظر عن "هيمنة الصليب" على بلاد الإسلام، وتحكمه في كل صغيرة وكبيرة، وعدم السماح للتمكن الحقيقي من شيء! - فأين هو الدين؟ وأين هو الشرع الذي يَعلو ولا يُعلى عليه؟ وهل هذا طريق التغيير الذي يطمح له المسلم.. وهل هذا هو الطريق الذي يُعيد مجد الإسلام، والخلافة الراشدة التي على منهاج النبوة ؟!!
*  *  *
وبعد استشفاف شبهات أصحاب دين "الإسلام المدني الديمقراطي" تبين لي بعد تجريد الشبهات، وتجريد أطروحاتهم كلها.. أننا وقفنا أمام أمرين لا ثالث لهما إما: الديمقراطية، وإما الجهاد. هذه هي الحقيقة بعيداً عن الدخول في تفاصيل شبهاتهم..
أصحاب "المشاركة الديمقراطية" داخل إطار الدولة العلمانية خلاصة موقفهم هو: "عدم الرغبة في الجهاد في سبيل الله" واختيار الممارسة الديمقراطية والعمل السلمي ! فحقت فيهم سُنة الله.. فلم يحصلوا على شيء سوى الذلة، والهوان، والصغار، كما هو عقاب من ترك الجهاد في سبيل الله..
وأقصد بالجهاد الفريضة الربانية لا التنظيم، وأقصد بالجهاد.. الجهاد في سبيل الله، لا المقاومة الوطنية، ولا حركات التحرر الوطني داخل الحدود المصطنعة، وأقصد بالجهاد هو الجهاد الذي يحرر الأمة "كلها" ويُعيد الخلافة على منهاج النبوة، وليس "الجهاد المحلي المستأنس.. الذي لا يُغضب بعض الطواغيت"، وأقصد بالجهاد الذي يقاتل "كل" الطواغيت والصليبيين.. ويطهر كل أرض الإسلام منهم.. ويستعيد بيت المقدس.. أقصد بالجهاد الفريضة.. وليس أخطاء البشر أثناء محاولتهم الجهاد.
وليست مشكلة هؤلاء الإسلاميون الديمقراطيون هي "القعود" عن الجهاد في سبيل الله، تكاسلاً وحباً للحياة الدنيا.. فقد يقعد المرء عن الجهاد، لكن يتهم نفسه كل يوم بالنفاق، أو يهرع إلى الله يبرأ ذمته بالجهاد بماله.. إلخ، مشكلتهم أنهم "يرفضون" الجهاد من حيث المبدأ، ويستبدلونه بصندوق الانتخاب.. فإذا واجههم أحد بهذه الحقيقة ادعوا - كذباً - بـ "الاستضعاف" بينما - على سبيل المثال - تعداد جماعة الإخوان - المنتظمين الذين يدفعون اشتراكات - يبلغ حوالي مليون فرد، هذا غير المحبين وأقاربهم والمؤيدين لهم، بالإضافة إلى أموال الاشتراكات، وأموال رجال الأعمال منهم تبلغ ثرواتهم بالمليارات !! { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ. طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } [محمد :20، 21]
ولذا عندما وضح تهافت شبهاتهم وجدنا أن الناس لا تبحث عن حق ودليل، بل الديمقراطية بالنسبة لهم دين.. فسواء ضحت شبهاتهم أو لا.. فهم على "دين الإسلام المدني الديمقراطي" و"الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة" سائرون !! ولكم أحدثوا من الفتن لدى الشباب المسلم، فهم يقدمون وجهاً دعوياً إصلاحياً فيه من الخير الكثير، فإذا ما رأيت "الممارسة السياسية" وجدتها علمانية خالصة تامة !! فالتبس الأمر على الناس، بل حتى على الدعاة.. وحسبنا الله ونعم الوكيل !
ولذا وجب بيان وفضح ما عليه القوم من ضلالة، إنقاذاً لدين الناس من لوثة الديمقراطية والعلمانية، وإنقاذاً لطاقات ملايين الشباب التي تضيع في عبث هؤلاء المضلين !
وليكن الجميع على يقين أن الشرع الذي أراده الله - والذي يَعلو ولا يُعلى عليه - لن يأتي إلا من طريق واحد هو الجهاد في سبيل الله وحده لا شريك له، باسم الله، ابتغاء مرضاة الله، واتباع رضوانه، لتحكيم شرعه في "كل" أرضه.. وهؤلاء وحدهم هم المؤمنون:
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحجرات : 15]
*  *  *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

منهجية البحث عند سيد قطب

هل كان النبي سباباً؟!

معالم الشخصية الحزبية