مصر بين السلفية والإخوان

السلفية العلمانية الطاغوتية: كما هو معهود عنها ما هي إلا خدم وعبيد للطواغيت، ولا تحتاج إلى كبير شرح وبيان، فعفنها وانحطاطها أظهر من الحديث عنه.. مثال: حزب النور والدعوة السلفية.. وإن هي إلا دعوة للإيمان بالطاغوت.
أما الإخوان والسلفية الإخوانية: فهذه مصيبة كبرى على مصر، لأنها تحتاج إلى شرح وبيان ثم مزيد شرح وبيان.. لأن ملايين من الناس تنخدع في طرحها، وفي طريقتها ! وفي مظلوميتها وفي شعارتها.. وسريعاً أُنقاش ما يقوله الإخوان والسلفية الإخوانية عن شعار: "الدم المصري (كله) حرام"..
يُعتبر هذا النص - بالنسبة لهم - مقدساً.. بل هو أقدس عندهم من القرآن الكريم!! وهو خلاصة منهجهم الفكري والحركي !! وسأبين - بفضل الله - مدى خطورة هذا الشعار..
دعونا أولاً أن نقر أن من يؤمن بأن "الدم المصري كله حرام" يعني أنه ما بعد الدم من مال وعرض وسمعة حرام.. فكل المسلم على المسلم حرام؛ وعليه.. فإذا كان الدم المصري كله حرام.. فأنا بكل وضوح أؤيد السيسي وزمرته.. وأؤيد الانقلاب، فإذا كانت دمائهم حرام، فلا يجوز لي - حسب هذا النص - التطاول عليهم أو تفريق جمعهم ! وإذا قالوا: المقاومة السياسية للظلم.. فهذه ستكون محل خلاف، فأنا - مثلاً - لا أرى جدوى للمظاهرات أو الانتفاضات.. بل أراها خراب على مصر! وأرى السيسي وزمرته - طالما الدم المصري كله حرام - أنسب رئيس لمصر.. ولا بد أن يكون الرئيس عسكرياً حتى لا يغضب أمريكا وإسرائيل ويتركونا نعيش في أمان ! وفي أقل تقدير سيكون المؤيد للانقلاب والسيسي.. مجرد اختلاف في وجهات النظر، وليس بالضرورة أن تكون وجهة النظر الرافضة للانقلاب هي الصحيحة.. لأن الدم المصري كله حرام، وكل ما يحدث.. كل ما يحدث مجرد صراع "سياسي علماني ديمقراطي نضالي ثوري" على السلطة.. ومن أحق بها، وفي ذلك لا أرى أنها تحتاج إلى دماء وتضحيات واعتقال وتعذيب.. وانصح كل الناس بعدم الدخول في صراع سياسي يكلفه حياته أو اعتقاله، وطالما الدم المصري كله حرام.. إذن أنا في صف الأقوى والأغنى والأكثر سلاحاً وعدة، ولماذا إذن أقف في صف ضعيف، هزيل، أرعن ؟!!
* * *
إن جملة "الدم المصري كله حرام" جملة تُلخص مدى الانحطاط العقيدي والفكري الذي وصلنا إليه، وتلخص كذلك عمق الأزمة بمصر.. التي أراها تزداد يوماً بعد يوم بهذا البلاء الفكري والحركي الذي يجرنا إليه الإخوان وذيولها !
"الدم المصري كله حرام".. نص جاهلي محض، ما أنزل الله به من سلطان.. فالإسلام لا ينظر إلى الانتساب للأرض.. لا يعرف مصري، عراقي، قطري...إلخ! الإسلام يُقسم الناس إما كافر وإما مؤمن.. فيقول صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ "[سنن ابن ماجة/ 3933].. إذن لا مكان للقومية في الإسلام.. فالإسلام حطمها وجعل الولاء والبراء على أساس الإسلام، ولا شيء غيره..
بقيت مسألة الدم: فهل هناك في الإسلام حُرمة للدماء بإطلاق؟ بالطبع لا.. فالإسلام يقاتل "الفئة الباغية" حتى تفيء إلى أمر الله، ويقاتل "الفئة المرتدة" عن الشرائع.. حتى ترجع وتستسلم للشرع كاملاً.. وفرّق الإسلام بين قتال أهل البغي، وقتال أهل الردة.. وهو أشد.. فما بالنا إذا وجدنا فئة من الناس تمتنع لا أقول عن شريعة من شرائع الإسلام.. بل في ردة كاملة عن الشرع، وتتحاكم إلى القانون الوضعي، وتحمي حدود اليهود، وتنضوي تحت راية الصليب لقتال المسلمين، وتنبذ دين الله إلى العلمانية.. وهذه كلها من أظهر حالات "الكفر البواح" المعلوم من الدين بالضرورة.. إذن في هذه الحالة.. لا يوجد شيء اسمه "الجيش المصري" أو "الدم المصري كله حرام"..
بل يوجد بيان للناس ما هم فيه من ردة، وكفر، وبيان دين الله والحق، حتى يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حية عن بينة.. ثم المفاصلة على ذلك، ثم الجهاد في سبيل الله.. باسم الله، ابتغاء مرضاة الله.. لتحكيم شرع الله، وإعلاء كلمته، وتوحيد أمة محمد صلى الله عليه وسلم..
والعمل على هداية ودعوة هذا الجيش المصري.. ليكون جنداً يقاتل في سبيل الله، لا في سبيل الطاغوت.. ولا أعلم جريمة أشد من التدليس على هؤلاء الجنود - من أي طرف - ليقول لهم إن "الدم المصري كله حرام" وأنهم ليسوا تحت راية الطاغوت.. وأنه لا ينتظرهم سخط الله، وعذابه! ولعل مجرد البيان وكشف الحقيقة.. وقول الحق لا نخشى في الله لومة لائم.. لعل من شأنه أن يُحيد كثير من الجنود أو يُخيفها من عذاب الله، وتبقى الفئة التي تدين بالعلمانية والقومية، وهي فئة قليلة تمثل القيادات الأولى في الجيش.. وفي كل الأحوال ما يقوله الإسلام: إن هذه فئة "ممتنعة عن الشرائع".. تقاتل قتال "أهل الردة"، كما قاتل أبو بكر - رضي الله عنه - من امتنع فقط عن أداء الزكاة، فما بالنا بمن نبذ الشرع بالكلية ؟!!
ولما كان الإخوان وذيولهم في "صراع سياسي علماني" لا يتجرؤون على هذا التصريح، ولا على هذه المفاصلة، ولا على هذا الجهاد.. ولكنهم يخدعون الملايين - ومازالوا - بالشعارات والمظلومية والاستحقاقات الديمقراطية، وتأتي الذيول من السلفية الإخوانية لتضفي لحية قد يحتاجها الإخوان في صراعهم السياسي.. هذه المأساة تكلف مصر: (1) حرق طاقات ملايين الشباب في عبث لن يفضي لشيء. (2) تيه الناس عن صراط الله المستقيم. (3) طول عمر وأمد العلمانية والقومية وحمايتها. (4) صمام الأمان لعدم انتشار "فريضة الجهاد" بين الناس، وتحويل الناس إلى "قطيع" إما يقوده الإخوان، أو "قطيع" يقوده السيسي!
"الدم المصري كله حرام".. هذا هو هوى البشر ما أنزل به من سلطان. أما شرع الله ودينه: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ } [البقرة: 193]
*   *   *
القول المناقض: "انتهى زمن السلمية"
يقول الشيخ سلامة عبد القوي: "قُتلنا، واُعتقلنا، وانضربنا، واتسحلنا، واتحرقنا، واغتصبت بناتنا.. وكان يأتي الشباب في منتهى الثورة والغضب، وكنا نقول له: "يجب الحفاظ على السلمية" وكنا نُهدي من روع الشباب. وطوال سنة ونصف نحافظ على السلمية.."
" أما الآن: فمضى زمن السلمية.. "انتهى زمن السلمية.. الحق المشروع في الدفاع عن النفس، بكل وسائل الدفاع.. وهذا حكم الشرع، نابعة من قوله تعالى: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } [البقرة : 194] !! " ا.هــ
انظروا كيف يتلاعب السفهاء بدين الله، وبالأمة كلها، وبملايين الشباب..! انظروا كيف ضيع السفهاء طاقات ملايين الشباب وثورة من الغضب؛ اهدروا فيها طاقات كان يمكن لها أن تكفي الأمة كلها !!
ولننعش الذاكرة التي تنسى سريعاً..
قبل سنة ونصف، وعندما وقعت مجزرة رابعة والنهضة وما قبلها.. كانت هناك فرصة ذهبية قلما يجود بها الزمان.. لإعلان الجهاد في سبيل الله، واستنقاذ مصر من العلمانية والقومية والعسكرية.. وإقامة دين الله وتحكيم شرعه.. وقتها خرج سفهاء الإخوان.. بقولهم: "سلميتنا أقوى من الرصاص" وصارت نصاً أقدس عندهم من القرآن الكريم..! بدأت بعض محاولات مسلحة.. ولكن تبرأ منها الإخوان جميعها بلا استثناء، واعتبروها عملاً خسيساً، بل هو صنيعة المخابرات! ومؤامرة كونية لتلويث طهر سلميتهم وديمقراطيتهم، وأقنعوا الشباب أن أي عمل مسلح هو مخابرات.. ومازالوا !!
أوليس سلامة عبد القوي - وكل من دعى إلى ما دعى إليه من سلمية - شريكاً أصيلاً في الدماء التي سُفكت والأعراض التي اُنتهكت ؟!
أوليس هذا ومثله أولى لهم أن يخرصوا عن الخوض في قضايا الأمة المصيرية ويكفوا عبثهم وجهلهم ورعونتهم عن الإسلام والمسلمين، فهناك ملايين تسمع وتستجيب لهم؟!
أوليس من حقنا أن نتهم الشيخ سلامة.. أنه مخابرات، وأنه عميل.. مثلما اتهموا كل من خاض في العمل المسلح ؟!
ولما اشتد القتل والاغتصاب والفتك بهم خرجوا بنص جديد معدل من "سلميتنا أقوى من الرصاص" وهو: "ما دون الرصاص سلمية.. وما دون الأرواح مباح" ومضوا في هذا العبث.. لا يستمعون لنصح أحد، ولا يتركون أحد ينصح إلا وشنعوا عليه.. وقدموا قرابين من الأجساد والأرواح والدماء والأعراض قرباناً لصنم السلمية وصنم الديمقراطية !
اليوم تأخذ الحمية الجاهلية سلامة عبد القوي ليقول: "انتهى زمن السلمية" ومن الذي أعلن انتهاء زمن السلمية؟! وأين نذهب بقول المرشد: "سلميتنا أقوى من الرصاص".. وهل نسخت مقولة سلامة عبد القوي مقولة المرشد ؟!!
وأين يذهب قوله تعالى: { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ } [المائدة : 28] ؟! ألم يلقنوا شباب الإخوان هذه الآية كلما دفعهم أحد للدفاع عن أنفسهم وعن أعراضهم ؟! اليوم تذكر الشيخ سلامة قوله تعالى: { فمن اعتدى عليكم } ؟!
أوليس يقول - هو وغيره - "الدم المصري كله حرام" ألم ينعي جند الطاغوت بسيناء؟! أوليس من قُتل من المسلمين - من أهل سيناء - بشر يردون عادية جند الطاغوت ؟! أوليس لأنهم ليسوا بإخوان فلا يحق لهم قوله تعالى: { فمن اعتدى عليكم } ؟!
أهواء وشبهات وظنون، وعبث لا ينقطع بدين الله.. ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم ؟!
وعلى كل حال.. كلام سلامة عبد القوي يمثله هو فقط، وربما هي غضبة مؤقتة.. لكن البيانات الرسمية كلها تؤكد على السلمية.. هكذا قال د/مرسي، والمرشد.. وأكد على مسار السلمية تماماً حتى النهاية كما قال ذلك بتاريخ 19 / 5 / 2014 م أمام قاضي المحكمة.. وما أكدته أيضاً "الجبهة السلفية" في انتفاضتها !!
ولا عجب أن تجد في الإخوان التناقض - فهو أساس تكوينهم المعاصر - فالبرجماتية والنفعية والمصلحة هي الأصل الذي يدورون حوله، ويفسرون به كلام الله، ويجعلونه هو الخادم لاختياراتهم ! والعياذ بالله.
ويحسن بنا أن نقول كلمة عن الفرق بين "العمل المسلح" و"الجهاد في سبيل الله":
العمل المسلح: هو حمل السلاح تحت أي راية.. راية وطنية، راية جاهلية، راية ديمقراطية.. راية حقوق وإصلاح.. راية انتقام وحمية.. بعد استنفاذ الوسائل السلمية - أو يكون عاقلاً من البداية فيعرف أن الوسائل السلمية لا تجدي نفعاً - يحمل السلاح يطالب بحقوق يحسبها - بعقله - أنها حقوقه.. ويناضل ويقاوم من أجلها !  يحدد منهجه العُرف، واستحسان العقل، وتوهمات الفكر.. وإن كان متديناً بحث عن بضع آيات تؤيد موقفه ! ويبدأ بالعمل المسلح.. الذي ينتهي بالمفاوضات، ويكون للعمل المسلح سلطة سياسية وإعلامية تتحكم فيه، وتأخذ ثمرته في النهاية، وتترجم نجاح العمل المسلح إلى "استحقاقات سياسية" في نظم الحكم.. لكنه يبقى عملاً مسلحاً وطنياً داخل حدود الدولة القومية.. وشريكاً لها، وحامياً لدستورها وجاهليتها !
الجهاد: الجهاد يكون في سبيل الله، باسم الله، ابتغاء مرضاة الله، تحت راية الله وحده لا شريك له.. راية لا تعرف القومية، ولا الوطنية، ولا الديمقراطية... إلخ من الجاهليات المعاصرة.. الذي يحدد طريق الجهاد ليس هو استحسان العقل.. بل هو "شرع الله" والمسلم يقاتل تحت هذه الراية ليس من أجل الوطن، ولا من أجل استحقاقات سياسية.. بل لتكون كلمة الله هي العليا.. وكلمة الذين كفروا السفلى، ويكون الدين كله لله.. وقبل أن يرفع المسلم السلاح.. يحدد موقفه الشرعي من عدوه، وينبذ إلى قومه على سواء.. ويدعو الجميع للدخول في دين الله.. بالكفر بالطاغوت، والعلمانية.. وغيرها من زبالات الفكر الوضعي، وفي الحالة المصرية: المسلم يعتبر النظام الحاكم طاغوت.. يقاتله قتال "أهل الردة" ليسقط هذا النظام بأكمله.. فليس هو في "صراع سياسي" معه.. بل في "صراع عقيدي" معه.. إما الإسلام وإما الطاغوت.. وإما الإيمان وإما الكفر؛ وتكون ثمرة الجهاد في النهاية هو قيام "الدولة الإسلامية" وليس استحقاقات سياسية في نظام حكم علماني.
أما دين البرجماتية عند الإخوان: إذا كانوا لا يرغبون في القتال قالوا: "الدم المصري كله حرام".. وإذا كان يرغبون فيه أو في صالحهم قالوا: "انتهى زمن السلمية.. فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" !!
وحتى نفهم الإسلام.. ونمضي في صراط الله المستقيم، لا ندور مع الشيخ والحزب والجماعة حيث دارت، بل "ندور مع الكتاب حيث دار".. ولا نسمح لمن عبث بدين الله، وبالدماء وبالأعراض أن يكون له موطن قدم أو كلمة بين المسلمين.

*   *   *
موضوعات ذات صلة:
×      الدعوة والبرجماتية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

منهجية البحث عند سيد قطب

هل كان النبي سباباً؟!

معالم الشخصية الحزبية