مصر والعلمانية

كانت - وماتزال - عين الاحتلال الصليبي على مصر منذ أن جاءت الحملة الفرنسية لسلخ مصر تماماً من هويتها الإسلامية والعربية معاً.. وحاول الاحتلال الصليبي البريطاني من خلال نظم التعليم إفساد كل ما يمت للإسلام بصلة..

ولعلنا نتذكر في هذا المقام محاولات الأستاذ سيد قطب رحمه الله  في إصلاح التعليم - وكان مجال عمله - قدر الوسع والطاقة، واكتشف أن المشكلة ليست في "فساد" نرجو ونبجث في كيفية إصلاحه، إنما في "إرادة سياسية واحتلالية" تريد هذه الصورة العلمانية وتحافظ عليها، وتمنع عنها أي محاولات للإصلاح !
واكتشف أن طريق الإصلاح يبدأ من "الجهاد في سبيل الله" لتحطيم تلك القوى التي تقف في وجه أي إصلاح مهما كان بسيطاً أو حتى بعيداً عن "الصراعات السياسية".
ولما خرجت ما يُسمى "الحركة والصحوة الإسلامية" كانت من أجل الحفاظ على الثوابت الإسلامية، وكبح شرور العلمانية، والتصدي لها.. ودفعت ضريبة باهظة من الأموال والأعمار والأجيال والتضحيات من أجل ذلك، ووجد العدو أن كل محاولة لمحاربة الحركة الإسلامية تزيدها صلابة وقوة.. فحوّل العدو وجهته من المحاربة إلى "التعاون والتوافق" حتى ارتدت الحركة الإسلامية إلى أسفل سافلين، فصار أبناء الحركة الإسلامية جنوداً للعلمانية من حيث لا يشعرون ! طائفة تشرعن للعلمانية والطواغيت، وطائفة تنافس العلمانية وتتوافق وتتصالح معها، فضاع التميز، وفقدت شخصية الحركة الإسلامية، وغرق الجميع في التيه..
ولكن العلمانية لا تتعاون وتتوافق مع الحركة الإسلامية من أجل التعاون والتعايش والإصلاح.. كلا، إنما تفعل ذلك لتُفقد المسلمين هويتهم، وشخصيتهم، وتميزهم، ثم بعد ذلك ينكشف الوجه العلماني القبيح - الذي يغذي وحشيته الصليب وحقده - ليحارب كل شيء يمت للإسلام بصلة، ثم بعد هذه المحاربة لا يقولون للناس: اكفروا بالإسلام، ولكن يقولون لهم إن ما أنتم عليه هو "الإسلام الصحيح الجميل"، وكل غيره هو تطرف وإرهاب وانحراف وباطل بل وربما مؤامرة لتشويه الإسلام الجميل !
*   *   *
ومنذ الانقلاب العسكري بمصر، انتقلت العلمانية من التعاون والتوافق إلى المحاربة والعداء، تحت شعارات واهية منها: محاربة الإخوان، محاربة التطرف والإرهاب، وتحت هذه الشعارات يتم ضرب الثوابت الإسلامية كلها..
ولقد لاحظنا منذ الانقلاب محاولة إحياء "العلمانية الإباحية" بصورة فجة، حتى ليس بها تدرج أو مبرر.. فبدأت البرامج العائلية والأسرية على القنوات الفضائية تزيد من جرعة الإباحية اللفظية والمعنوية.. وأذكر في احتفالية ليوم اليتيم من سنة مضت - وكنا الجو برداً - أُجبرت الفتيات - في عمر العاشرة ودونها - على لبس ملابس البحر "المايوه" داخل ملجأ الأيتام !
وانتشرت البرامج التي تطعن في الإسلام، وتعادي الدين.. الدين الإسلامي فقط، أما النصرانية بمصر فلا يمسها أحد بسوء، وإلا اُعتقل من يومه !
ولاحظت حالة من التعمد والقصد في رسم صورة جديدة للمجتمع المصري، تستهدف على وجه الخصوص فئة النشء والشباب، إذ التغيير دوماً يتجه لهذه الفئة، أما الفئة الأكبر سناً، تكون قد تكلّست على صورة معينة، أو رسخت - إن كانت مؤمنة - لديها الثوابت والموازين والتصورات.
وفي احتفالية عيد الأم، عمدوا إلى اختيار "راقصة" لتكون أماً مثالية، ثم تكرر الأمر مرة ثانية.. لم يكن الأمر مجرد صدفة، أو تسافل طائفة، بل هو محاولة لكسر القيم الأخلاقية في نفوس الناس، ومع "التكرار" سيصبح الأمر مألوفاً، ومع "التزين" سيصبح حلماً للفتيات الصغار !
وبالأمس القريب تَحلّقت بعض جواري العلمانية وعبيدها - ممن يحملون ألقاب مدير ومعلم ومفتش - في فناء مدرسة، لحرق كتب إسلامية، وُجدت في المكتبة المدرسية - وبغض النظر عن موضوعاتها - بحجة أنها كتب إخوانية، أو كتب تحرض على العنف والإرهاب !
ولم يكن الأمر كذلك مجرد صدفة.. فلا أحد يدخل مكتبة المدرسة، وربما لا يعرف مكانها ودورها، بل المنظومة التعليمية نفسها - ومن ناحية الجودة لا الموضوع - من أدنى نظم التعليم في العالم!
وإن وجود كتب إسلامية لا يرغبون بها في مكتبة، كان يكفي مصادرتها، أو منعها.. فلماذا إذن الحرق؟! ولماذا تحلّقت الجواري والعبيد حول حلقة النار لحرق الكتب الإسلامية ؟!
لأن هذا هو المقصد، والمراد.. حرق المعاني الإسلامية، والعزة الإسلامية، والفكر الإسلامي في نفوس النشء والشباب.. وكسر هيبته في النفوس، وأما دلالة رفع العبيد لعلم مصر، فهو دليل على تقديم "القومية العلمانية" فوق أي شيء حتى ولو كان الدين، فالذي يجمع المصريين يجب أن يكون مصر لا شيء آخر، أو كما قال أحد عبيد العلمانية: "الأوطان قبل الأديان" !

ويكشف مشهد الحرق كذلك عن حالة من الأمية والجهل لهؤلاء السفهاء، فقد كان هناك كتاباً يؤيد العلمانية، ولكن ربما خدعهم الأسم، وهو كتاب: "الإسلام وأصول الحكم"، فأنى لمثل هؤلاء الجواري والعبيد أن يكونوا أمناء على عقول أبناء المسلمين ؟!
وما لجنة إصلاح التعليم التي حذفت قصة عقبة بن نافع، وصلاح الدين... إلخ، وما يتم كذلك في الأزهر من ذلك ببعيد، فهو يسير في نفس السياق السابق، حذف وإحراق ما يمت بعز الإسلام والمسلمين وتاريخهم وجهادهم بصلة.
واستبدال ذلك بتمجيد الفراعنة، والطواغيت، وعبيد العلمانية.. حتى يتم محو الإسلام من ذاكرة الشباب والنشء، لتخرج أجيال لا تعرف عن الإسلام إلا اسمه، تكون خدماً وعبيداً للعلمانية والطواغيت والصليب الذي يدفع بكل خبث وحقد ومكر في هذا الاتجاه.. ويحاول إفساد المسلمين من خلال المدارس الخاصة وتعديل المواد الدراسية والإباحية ودعوات خلع الحجاب، ومهاجمة علماء المسلمين، ومحاربة الإسلام تحت ستار محاربة الإخوان والإرهاب.
*   *   *
إن الجريمة مشتركة بين قيادات الحركة الإسلامية، وبين دعاة العلمانية.. فأما قيادات الحركة الإسلامية فحوّلت خيرة الشباب إلى حماة للعلمانية والقومية، وأما دعاة العلمانية فصدقوا أنفسهم وكفروا بالله، وعبدوا أهوائهم..
وإن على الآباء والأمهات مسؤولية أمام الله وأمام الأمة في مراجعة ما يتم تغذية عقول أبناءهم به، فكما يدفعوا عنهم الغذاء الفاسد والضار، فالأولى دفع الفكر الضار الذي يرسم قيمهم وموازينهم وتصوراتهم.. وعليهم أن يغسلوا عقول أبناءهم من وسخ العلمانية، ودنس القومية.. وأن يتولوا هم مهمة التعليم الرباني الصحيح، ولن يعجز الصادق أن يجد وسيلة.
وإن كل طريق للإصلاح - أياً كان - وإن الطريق لمحاربة العلمانية، لا بد وأن يمر عبر "الجهاد في سبيل الله"، فهذه الأمة أُهينت في كل شيء - وذلت في كل شيء - ولا عز لها إلا بالجهاد في سبيل الله.

*   *   *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

منهجية البحث عند سيد قطب

هل كان النبي سباباً؟!

معالم الشخصية الحزبية