إيران والدور المرتقب

قال رئيس إيران السابق أحمد نجاد: لولا دور إيران لما سقط نظام طالبان في أفغانستان، ولا نظام صدام في العراق، فلقد كان لها الدور البارز في مساعدة أمريكا في سقوط أفغانستان والعراق.. وبعيداً عن الجعجعة السياسية والإعلامية بـ "محور الشر" و"الشيطان الأكبر" تأتي "المصالح المشتركة" والقواسم العملية التي تُحرك مصالح الدول.. وعندما تكون للدولة هوية ومؤسسات وكيان ومشروع فإنها تستطيع أن تكون "شريكاً" في المصالح، لا مجرد خادم مطيع كحال "الحكام العرب"..
وجاء الاتفاق النووي الإيراني - الذي سيرفع العقوبات عن إيران - ليكون كالصفعة على وجوه حكام الخليج خصوصاً، الذين يتبعون أمريكا طوعاً وكرهاً.. بلا مقابل، ويُسلّمون لها ثروات البلاد، وأرواح العباد؛ لنيل الرضا والحماية..
- ولما فشلت حكومات الدول السنية في ملفي "العراق وسوريا".
- ولما كانت رغبة الشركات العابرة للقارات لقطف ثمار السوق الإيراني البكر، لا سيما بعد أزمات أوروبا الاقتصادية.
- ولما كان الاحتياطي الإيراني تنظر إليه أوروبا كصفقة عظيمة ستمر عبر تركيا.
- ولما كانت إيران هي العدو الأول للإسلام السني المجاهد والمقاوم، وصادقة حكومة وشعباً في القضاء عليه.
- ولما كانت كلمة المرشد الأعلى يسمعها كل الشيعة في طاعة عمياء.
- ولما كانت المصالح لا تعرف لغة الحسم، بل "القواسم المشتركة".
جاء الاتفاق النووي الإيراني..
فماذا كسبت إيران ممن هذا الاتفاق ؟
وبعيداً عن موضوع السلاح النووي، وإمكانية تصنيعه أو الحصول عليه، فهو لمجرد "البرستيج الدولي" و"السيادة العالمية" فإن فحوى الاتفاق هو "انفتاح السوق الإيراني" و"السياسة الإيرانية" و"اليد الإيرانية" لتكون القوى الأقليمية العظمى، والتي ستتولى الملفات الكبرى، لما سبق من تأثيرها في العراق وأفغانستان من قبل، ومن بعد في سوريا ولبنان، واليمن والبحرين.. وجاء الاتفاق ليعطي لإيران دفعة قوية في ملفاتها الخارجية، وفي مشروعها التوسعي المدورس بعناية فاقة، واستراتيجية عالية، وسياسة مُحكمة، استطاعت التفاخر علناً بتحكمها في قرار أربع عواصم عربية: بغداد، ودمشق، واليمن، ولبنان.. وفي الطريق تحرك ملفات البحرين، وفلسطين.. كما لها نفوذها في منطقة القوقاز !!.
وماذا كسبت أمريكا ؟
كسبت أمريكا حليفاً جديداً في حربها على ما تسميه "الإرهاب" لم يغب عن المشهد من قبل، ولكنه الآن سيحضر بقوة، وبدفعة قوية، وبإفراج عن الأموال المجمدة، ورفع العقوبات الاقتصادية، وإيران هي التي تحارب بالفعل بالنيابة عن أمريكا في كل من العراق وسوريا.. ولكنها لا تخرج صفر اليدين من المعركة، بل تحصل على المكافأة، وتحقق مصالحها، وهي تقاتل بوحشية أكثر من أمريكا ذاتها، وهي اليد الفعلية التي قتلت أكثر من 300 ألف سوري، وما بشار إلا كلب لها، لا يستطيع البقاء يوماً بدون دعم إيران.
وستكون إيران هي المحرك الأقليمي للشرق الأوسط، ومحركة الفتن والحروب فيه.. فمن الذي كان يتوقع حرباً في اليمن؟ ومن الذي كان يتوقع أن تسقط بغداد الخلافة في يد ملالي إيران ؟ وإن بقاء الشرق الأوسط على هذه الوضيعة من الحروب والحروب المضادة، هو عين ما تريده أمريكا؛ فلربما يفضي إلى التقسيم الجديد الذي تخطط له أمريكا، ولربما يُشغل المنطقة ببعضها البعض، أو يشغل السنة بالشيعة والشيعة بالسنة بعيداً عنهم، كما أنه سيشعل سوق السلاح والتسلح العالمي.. وكل ذلك يجعل إسرائيل في آمان، والمصالح الأمريكية في المنطقة باقية إلى أجل غير مسمى.
وماذا خسر العرب السنة ؟
العرب السنة ليسوا كالشيعة، فالشيعة حكومة وشعباً يداً واحدة، بل الشيعة في العالم أجمع قبلتهم نحو المرشد الأعلى الإيراني.. وكلمتهم واحدة، ولما طلب أحد العرب ترك التفاوض مع إيران، وأن يكون التفاوض معهم هم حول هذه الملفات؟ جاء الرد الأمريكي.. أن التفاوض مع الشيعة مكسب عالمي لهم، وبه يخاطبون كل الشيعة في كل مكان، أما مع السنة، فالتفاوض يكون مع الحكومات وليس الشعوب السنية، وليس مع كل الحكومات، بل مع حكومة واحدة..
فالعرب السنة: ليسوا على توافق مع الأنظمة التي استبدت بهم، وسرقت ثرواتهم، وباعت أعراضهم، وجعلتهم كالغنم والقطيع، وهم في حالة من "الغياب الحضاري" عن التفاعل والتأثير وصناعة القرار، هم على مقعد المشاهدة، بعدما فتكت بهم أمراض الاستبداد، وسببت لهم حالة من "الغباء والتخلف الحضاري".
أما الأنظمة: فهي تُولّي شطرها نحو البيت الأبيض، وحيثما كانت ولت شطرها نحوه، وانشغلت بسرقة الثروات، وتبديد الأموال، والإنفاق على العاهرات، وحرب المبدعين والمفكرين، وقتل العلماء والمصلحين.. في الوقت الذي كانت فيه إيران - رغم الحصار - تبني نفسها كقوة إقليمية عظمى، وتحرك عواصم العالم العربي متى شاءت، فما بالنا بعد رفع الحصار الاقتصادي، والعقوبات، وتدفق المليارات المجمدة، وانتعاش السوق الإيراني ؟!.
ثم استفاقت الأنظمة الخليجية على التقارب الأمريكي الإيراني، بعدما طردت العاهرة التي تبكي على باب البيت الأبيض، ترجو الرحمة والقبول.. فالكبار يتعاملون مع الكبار.. ولما جعلت إيران من نفسها دولة كبيرة، احترمتها أمريكا، أما من جعلوا دولهم حظائر ماشية لشعوبهم، لا يعرفون شيئاً سوى الاستهلاك والانفاق، وتبديد الثروات؛ احتقرهم حتى من يسرق تلك الثروات، ولم يجد منهم نفعاً سوى مزيد من السرقة، والضحك على سفاهتهم وبلادتهم.
فماذا كانت ردة الفعل الخليجية على الاتفاق والخطر الايراني ؟
سعت السعودية إلى التقارب مع "جماعة الإخوان" المدرجة على قوائم إرهابها، فالآن عدو الأمس، صديق اليوم، وفتحت الباب لجماعة الإخوان التي تنتظر قبلة الحياة من أمريكا، والرضى الغربي عنها، وإرجاع شرعيتها المبعثرة في كل مكان، والإخوان خير من يصلح لأن يكون مطية للحكومات.
ولكن هذا التقارب يتضارب مع مصالح مصر العسكرية العلمانية، والإمارات، وبذلك نجد أن أمامنا معادلات تعد من أعقد معادلات السياسة المعاصرة.
معادلة: مصر العسكرية العلمانية + الإمارات.
معادلة: السعودية + الإخوان + قطر + تركيا + باقي دول الخليج التابعة
للقرار السعودي.
معادلة: إيران + بغداد + دمشق + حزب الله.
معادلة: إيران + روسيا + الصين + أوروبا + الشركات عابرة القارات.
معادلة: أمريكا + الغرب ( المعادلة العسكرية، والسياسة والاقتصادية ).
هذه المعادلات كل طرف فيها يبحث عن مصالحه، ويستتر خلف "دعايا كاذبة" لخداع الجماهير، تارة يستترون خلف ستار الدين، وتارة خلف نصرة المظلوم، وتارة خلف مقاومة الطغيان، وتارة خلف محاربة الإرهاب، وتارة خلف التوازن الإقليمي، وتارة خلف الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتارة خلف محاربة الاستكبار العالمي... إلخ.
وفي كل الأحوال نجد أن "الشعوب السنية المسلمة" هي الخاسرة، وعلى أرضها المعركة، ومن ثرواتها ضريبة الحروب، ومن أبناءها القتلى، والحروب والضحايا لا نجد لها سقفاً أو نهاية فهي مفتوحة، حتى ترتد المنطقة عشرات وربما مئات السنين إلى الوراء !!. ولا يمكن التعويل أو الثقة في حكومات باعت شعوبها من قبل، وحطمت مقومات الإنسانية والكرامة فيهم؛ حتى صاروا عبيداً ينتظرون نظرة الرضى من الطغاة.
وماذا عن حركات المقاومة والجهاد ؟
في فلسطين: هناك محاولة للسيطرة على القرار - إن لم تكن تمت بالفعل - من قبل إيران، والآن السعودية تحاول أن يكون لها دوراً بعدما باعت هذه القضية منذ ما يقرب من مائة سنة !، وفي كل الأحوال حركة حماس بوضعيتها هذه لن تستطيع أن تحرر شبراً واحداً من أرض فلسطين.. هذا إذا كان هناك حديث ابتداء عن القدس والأقصى، بعدما تحولت القضية إلى "قطاع عزة".
وفي سوريا: تمت السيطرة على الحركات المجاهدة، وسارعت جميعها لنيل الرضى العربي والدولي مروراً بحيش علوش، وأحرار الشام، وأخيراً النصرة، التي سعت للتحالف مع الأحرار وعلوش رغم العلاقات المشبوهة لكليهما، وضاعت بوصلة الجهاد، بتوجيه السهام نحو "الدولة الإسلامية" على اعتبار أنهم "كلاب النار" !.
وفي العراق: الدولة الإسلامية تحارب على جبهات عدة، وفي كل اتجاه.. إلا أن هناك اتجاه داخل الدولة مازال يفكر بعقلية التنظيم! ويمارس سياسة الدولة بصورة أحادية سطحية حادة؛ تختلق المشكلات بدلاً عن احتواءها، وتدمن منهج "الإدانة والحكم" لا منهج "التحليل والتشخيص والعلاج" وغيرها مما سبق ذكره في مقال: "انتصارات الدولة الإسلامية".
كل هذا يحدث، وإيران تخطط لأن تكون "القوى الإقليمية العظمى الوحيدة"، وتحاول تحييد تركيا العلمانية عن حلبة هذا الصراع العقائدي، بتوسيع نطاق التبادل التجاري والاقتصادي لا سيما بعد رفع العقوبات، ومرور خطوط إمداد الغاز الإيراني عبر تركيا إلى أوروبا.
قوى إقليمية إيرانية تكون "متشاركة" المصالح مع أمريكا والغرب، وليست مطية ذلول كالأنظمة العربية.. التي لا تخطط لشيء، إنما تتحرك في إطار "رد الفعل".
وإن سنن الله لن تحابي أحداً، وإذ لم تنتهض الشعوب السنية، وتدرك كتابها، ومعنى رسالتها، ستضيع، وما لم يكن لها مشروع تحرر من الطواغيت، ومشروع نهضة عالمية، ستكون أكلة مستباحة من كل وغد مخادع.
{ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

منهجية البحث عند سيد قطب

هل كان النبي سباباً؟!

معالم الشخصية الحزبية